قضايا وآراء

أردوغان يتحدث عن حُسن الجوار ولم يوفر جاراً!

| صياح عزام

بين سياسة «صفر مشكلات» التي اتبعتها تركيا في مرحلة ما قبل ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وسياسات العزلة التي وقعت فيها، بحيث لم يُبق لها رئيسها رجب طيب أردوغان وأعوانه صديقاً أو حليفاً أو رفيقاً؛ كانت تركيا بذلك، تبدأ مساراً جديداً من الارتباك في إستراتيجيتها الخارجية وتحديد العدو من الصديق.
لقد كان مسؤولوها يتناوبون على انتقاد الجميع من إيران ودول الاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأميركية، وتحولت روسيا الاتحادية بين ليلة وضحاها إلى صديق، بعد أن كانت عدواً لدوداً، وأعيد نسج خيوط العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد سنوات من الخطاب العالي المفتعل ضدها من أردوغان لركوب موجة القضية الفلسطينية عله يتقرب من العرب.
إلا أن ما يجري منذ عدة أسابيع في إطار العلاقات التركية مع الدول الأوروبية، تجاوز كل حد، وكان الأعلى في نبرته، بل كان الأكثر استغراباً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الاتحاد الأوروبي ليس مجرد جارٍ جغرافي لتركيا، بل هو وجهتها الاستراتيجية منذ أكثر من خمسين عاماً، ومن أجل ذلك، تفعل تركيا كل ما تستطيع لتكون جزءاً من هذا الاتحاد.
لو أن تركيا اختلفت مع الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة الأميركية، فليس من المفروض أو المطلوب، أن تفتعل خلافاً مع دول الاتحاد الأوروبي، فهي في مرحلة الإعداد للزواج الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري بينها وبين تركيا التي لهثت طويلاً وما زالت تلهث وراء الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن ما حدث مؤخراً من خلافات بين الطرفين، أي تركيا والاتحاد الأوروبي، يعكس بشكل واضح لا يقبل الشك، أن مشروع الزواج هذا كان مجرد خديعة ومماطلة ومخاتلة ونفاق وتذاك من الطرفين.
لا أحد منهما يريد أن يكون شريكاً للآخر في حقيقة الأمر، لا تريد تركيا فعلاً أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، ولا الاتحاد الأوروبي يريد أن يكون في مخدع واحد مع «شريك» غريب عنه.
ولهذا ليس من المستغرب أن نشهد مثل هذه المشاحنات في الأسابيع القليلة الماضية، وقد أعلن ذلك أردوغان صراحة وبشكل مباشر لا لبس فيه، بأن الاتحاد الأوروبي «حلف صليبي» يستهدف المسلمين.
كان زعماء الاتحاد الأوروبي قد اجتمعوا في روما، في ذكرى تأسيس المجموعة الأوروبية عبر معاهدة روما بحضور بابا الفاتيكان الذي تصدر الاجتماع معهم، وربما كان اللقاء بروتوكولياً، أو رسالة أوروبية وليس فاتيكانية، وربما الاثنين معاً، ولكن في النهاية، كان الجواب التركي حاضراً عندما قال أردوغان: «كيف يجتمعون برئاسة البابا؟ ليس على حد علمي أن البابا عضو في الاتحاد الأوروبي، لكن هؤلاء قد أظهروا وجههم الحقيقي، أظهروا أنهم تحالف صليبي»! بمعنى أن رسالة الاتحاد الأوروبي رد عليها السلطان برسالة أقوى وأعنف.
وقبل ذلك، كان أردوغان قد وصف ما قامت به ألمانيا وهولندا وسويسرا وغيرها، بأنه سلوك نازي وفاشي، عندما قال: «ما داموا يقولون عني دكتاتور، فسأواصل القول عنهم إنهم فاشيون ونازيون».
على أي حال يرتبط التوتر التركي الأوروبي بالانتخابات الأوروبية وبالاستفتاء التركي في 16 نيسان الجاري، لكن ما يظلل هذه التوترات أبعد من ذلك وبشكل دائم، هو الاختلاف الحضاري بين طرفين يتعايشان بسبب الجوار الجغرافي المفروض عليهما، والمصالح الاقتصادية، والضرورات الأمنية، إلا أنهما لا يلتقيان للسير في مركب واحد.
المفارقة، أن تركيا كانت تتحدث عن جار أوروبي واحد «جيد» هو بلغاريا، لكن حتى هذا الجار، أصبح جاراً «سيئاً» في الأسبوعين الماضيين، حيث جرت انتخابات في بلغاريا انتصر فيها «حزب التنمية الأوروبي»، وفشل فيها حزب «دوست» من الأقلية التركية، إذ لم يتخط حاجز الـ4 بالمئة وبقي خارج البرلمان، وهو حزب تدعمه تركيا وله توجهات قومية تركية إسلامية تنسجم مع توجهات حزب العدالة التركي.
إن ما فجر الخلاف أكثر بين بلغاريا وتركيا، دعوة بعض وزراء أتراك علناً للتصويت لمصلحة حزب «دوست»، الأمر الذي اعتبرته بلغاريا تدخلاً في شؤونها الداخلية، والعبرة في هذا الخلاف التركي البلغاري، أن أردوغان لم يوفر حتى آخر جار «جيد» لتكتمل دائرة الخلافات والتوترات التركية التي اصطنعها أردوغان مع الدول الأوروبية، بل حتى مع حلف شمال الأطلسي، علماً أن بلغاريا عضو في كليهما.
إذاً، يمكن القول إن صدام الحضارات إلى جانب الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية والفردية والحزبية؛ كل ذلك وراء الخلافات والتوترات بين تركيا وأوروبا، ولا سيما ممارسات أردوغان ومزاجه الشخصي وتقلباته المعهودة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن