ثقافة وفن

المستمع هو المصدر الأول لإبداع المغني واستمراره في العمل .. عبود عساف لـ«الوطن»: التمكن من غناء التراث أولاً ثم محاولة التجديد فيه لنشره حول العالم

| عامر فؤاد عامر

تأثر ببيئة حلب الغنية بالتراث وبأصالة الموسيقا وتعلّم دروسها في معاهدها مبكراً. الفنان عبود عساف الذي لازم فرقة حلب للإنشاد مدّة 10 سنوات إلى أن غادر سورية متجهاً إلى لبنان وإنشاء معهد حلب للغناء والموسيقا، يعمل اليوم على إعادة تنشيط فرقة حلب للإنشاد والتي تعود بتأسيسها إلى العام 1982، ومحاولة استعادة ألقها من خلال الحفلات التي قُدّمت مؤخراً في مهرجانات عربيّة ودوليّة في لبنان، وتونس، ومصر، والجزائر، والأردن، واليوم تحضر هذه الفرقة نفسها، وتستعد لإقامة حفلاتها في أميركا، وكندا، وأستراليا. وعن نشاط الفرقة، والمسؤوليّة التي يحملها يحدّثنا «عبود عساف» ويعود بنا في حديث حميمي عن أصالة الفنّ الطربي والموسيقي في حلب الشهباء.

حدثنا عن معهد حلب الذي أسسته في لبنان وعن نشاطاته التي يُعنى بها؟
معهد حلب هو الحلم الكبير الذي رافقني عندما غادرت إلى لبنان ومن أول يوم بدأت العمل عليه، وكانت الانطلاقة مع صعوبات شديدة، وتعثرات ماديّة، ولكن بالإرادة يمكن الوصول إلى الهدف، وفعلاً تمّ إنشاء المعهد في مدينة طرابلس، وفيه نستقبل الفئات العمريّة ما بين 8 إلى 18 سنة، أمّا المواد التي تعطى فتنحصر على تراث حلب الشهباء من موشح إلى مديح إلى دور إلى قد، وهكذا وعند تخرّج كلّ دفعة من المعهد أقوم بالتحضير لأكثر من حفل يشارك فيه الطلبة والهدف منها الوصول إلى المستمع والتعريف بهذا اللون الطربي وإحيائه، وقد أصبحنا الآن في السنة الرابعة في المعهد من العمل المستمر.

إلى أي درجة تؤثر البيئة في منح الفنان طابعه الحقيقي؟ وماذا عن تأثير البيئة الحلبية على شخصيتك الفنيّة؟
البيئة في حلب لها خاصيّة كبيرة جداً، ولاسيما لابن الحارة العتيقة فيها، حيث تستمع طوال سيرك في هذه الحارات إلى أصوات الغناء والعزف والمديح والإنشاد الديني، ومن الطبيعي في حلب أن تجد في كلّ بيت صوتاً جميلاً ومستمعاً أو عازفاً لآلة موسيقيّة، بمعنى أننا نجد بيئة وطبيعة لا نرى مثلها إذا جلنا العالم بأسره، ومن البدهي أننا كلّما كبرنا يوماً في حلب ستتعتق هذه الأمور في أنفسنا، ومن ثم سيولد العشق ورغبة التعلّم لهذا الفنّ الأصيل، لأن حلب هي أهم مراكز الموسيقا والطرب العربي الشرقي، كما تمتاز حلب بأنها الحاضنة والمصدّرة لهذا الفنّ العريق. وأفخر اليوم بأنني أحد أبناء هذه المدينة الخاصّة جداً.

خطك الفني يشير إلى دعم التراث والمحافظة عليه ونقله للأجيال القادمة. ألا تفكر بالتجديد أو ولادة عنصر فني جديد بالاعتماد على الصورة التراثية؟
التراث يُشعرنا بالقيمة الحقيقية للفنّ، فأن تنقل تراثاً بناه الأجداد العظماء في الطرب إلى الأجيال الجديدة فهذا شرف كبير ومهمة ومسؤولية تحتاج إلى العمل والاجتهاد، وأنا ألاحظ مدى استمتاع المتلقي فيما نقدّمه لهم حول هذا الفنّ العريق. طبعاً لا يمنع أن نُحدّث فيه بما يتناسب مع واقع التطوّر الحاصل في مجتمعاتنا، والأجدر بنا برأيي الشخصي هو أن نتمكن من تراثنا بشكلٍ جيّد ثمّ نحاول صياغة أعمال جديدة تتناسب مع بعض المجتمعات التي نزورها خلال جولاتنا الفنيّة في أنحاء العالم.

بين العمل في فرقة والعمل في خطّ فني شخصي مستقل فرق كبير، أين تجد نفسك اليوم في هذين النمطين؟ وهل ستجد مستقبلا أنك ستلتزم في واحد منهما؟
أن أكون عاملاً في الفرقة شيء وأن أكون مؤسساً ومسؤولاً عنها شيء آخر، فكلّ ما أقدّمه وأنقله سأكون مسؤولاً عنه وحدي أمام أهل الطرب، ونحن نتكلم عن أعرق وأقدم الفرق السوريّة، فرقة «شيوخ الطرب»، ولنعد للحظات ونتذكر في العام 1960 في إذاعة حلب التي رافقها أصوات أساتذة كبار أمثال المرحوم «محمد خيري» و«صباح فخري»، عندما كانت الفرقة في عهدتهم فقد وصلوا إلى العالم العربي والغربي بهذا الفنّ السوري الحلبي الأصيل، ومن ثمّ أصبح كل منهم له سيرته الخاصّة، ولونه المتميّز، وعلى هذا الدرب أسير اليوم متابعاً لما ورثت عن كبار أهل الطرب في حلب.

كيف تجد جمهور التراث اليوم من قدود وموشحات وأدوار وغيرها؟ كيف يمكن المحافظة على بريق هذا التراث برأيك مع اكتساح الأغنية الهابطة للساحة الغنائية وللفضائيات العربية؟
دائماً المستمع هو المصدر الأول لإبداع المغني واستمراره في العمل، وفي كلّ بلدٍ زرته وقدمت فيه الطرب الحلبي وجدت رواداً كثراً له، وهذا يدل أن هذا اللون لن يموت مادام فينا من ينقله، ومن يستمع إليه، ومهما كان اكتساح الأغنية الهابطة للساحة الفنيّة فمن المستحيل أن تأخذ مكان القدود والموشحات الحلبيّة لأن الغناء الهابط ليس له جذور، ولا أصول موسيقيّة، وهي حالة زمنيّة قصيرة جداً. أمّا موسيقانا وموشحاتنا فلها جذور وأصول وقواعد، والأهم أن لها مكانتها العالميّة في طليعة الموسيقا الشرقيّة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن