ثقافة وفن

أصوات سوريّة تتناغم مع شعر نزار بألحان عربيّة بهدف التوثيق والتعريف … الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة تعيد إحياء قصائد «قباني» القديمة

| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني

يؤكد شاعرنا الكبير نزار قباني أن الشعر موقفٌ حضاريٌ، وأن الاهتمام به دليلٌ على تطوّر ورقي الناس. وتسعى الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة، بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، للاحتفاء بقصائد نزار الشعريّة المغناة، وذلك على طريقتها الخاصّة التي تهدف إلى توثيق الموسيقا في سورية وإيجاد صلة الوصل بين الجيل القديم والحديث فنيّاً من خلال الموسيقا. وفي احتفاليّة «تحيّة إلى نزار» تمّ التكريم والاحتفاء بما قدّمته هذه العلامة الدمشقيّة الفارقة لتاريخ الشعر العربي. فقد كان الشاعر نزار قباني ومازال بوابة للعاطفة ورقيها من خلال القصيدة، ومُحبّاً للعربيّة وتعلّمها وعشقها، ومثالاً لانتصار المرأة في كينونتها وعواطفها، ولكثير من المعاني التي جسدها في حياتنا.

عدّة أهداف
تمّ اختيار مجموعة من القصائد المغناة مع مجموعة من الأصوات السوريّة التي نفخر بحضورها الدائم من خلال الحفلات التي تقيمها دار الأوبرا في دمشق، بقيادة الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربية في سورية، إضافة إلى حضور أنواع مختلفة من الفنون مثل الرقص والفنّ التشكيلي، وذلك برعاية وزارة الثقافة، وفي احتفاليّة واحدة بتحيّة حبّ وتكريم للشاعر الكبير نزار قباني. وعن هذا الانتقاء وحول الاحتفاليّة والمغزى من اختيار هذه القصائد يقول الفنان عدنان فتح الله: «كثير من التجارب والألحان لقصائد الشاعر الكبير نزار قباني، لكن الاختيار هنا جاء للقصائد القديمة منها، والهدف من ذلك هو توثيق هذا التراث الأدبي السوري المُغنى، بهدف تعريف الشباب بهذه القصائد المُهمة ولا سيّما أن القصائد الجديدة التي لحنها الفنان كاظم الساهر باتت مسموعة وتتردد في ذاكرة شبابنا، أمّا هذه القصائد الأقدم فهي غير مألوفة لهم، ولذلك نعمل على توثيقها بطريقة الفرقة، وبأداء جديد يسمعها الجمهور الذي لاحظنا من خلال حفلاتنا السابقة أن نسبة كبيرة منه هي من جيل الشباب الصاعد».
يضيف «فتح الله» بالتأكيد على نشاط وأهداف الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة: هناك عدّة أهداف من هذا الحفل صبّت في تجربة فرقتنا، ففي هذا الحفل شيء لحفظ التراث السوري والعربي عموماً، وهنا يمكن التأكيد على الإرث الأدبي المهم الذي تركه لنا نزار قباني من خلال هذه القصائد المغناة. والهدف الآخر هو تقديم هذه القصائد بأصوات سوريّة مميّزة، وهذا هدف مهم من أهداف الفرقة الوطنيّة للموسيقا العربية.
بالنهاية الحفل هو تحيّة وفاء لقامة سوريّة مهمّة كان لها أثرها الكبير عربيّاً وعالميّاً، فهو تحيّة كبيرة لهذه القامة من الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة ضمن القصائد الخالدة، والتي هي بالفعل حملت ألحاناً عظيمة توازي كلماتها وهذا ما دفعنا لاختيار هذه القصائد.

أيظنّ
تمّ اختيار القصائد بناءً على خصوصيّة الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة، كفرقة تقدّم الأعمال الموسيقيّة الآليّة، واختيار القصائد ما يتناسب مع هذا اللون والنمط، وما يتناغم مع التوزيع الأوركسترالي والتعددية الصوتيّة من دون الخروج عن أصالة الأغنية كما قدّمها التاريخ. وفي البداية جاءت قصيدة «أيظن» التي غنتها الفنانة «نجاة الصغيرة»، وهي أول القصائد التي لحنها الموسيقار «محمد عبد الوهاب» للشاعر الراحل «نزار قباني» وأدتها الفنانة «عبير البطل» خريجة المعهد العالي للموسيقا بإحساس عالٍ ورقي في التعامل مع الكلمة واللحن.

أصبح عندي الآن بندقيّة
قدّمت الفنانة «سيلفي سليمان» قصيدة «أصبح عندي الآن بندقية» وهي من الأعمال الوطنيّة التي تحمل رسالة وطنيّة سجّلت حضورها الآسر في وجدان المستمع العربي لفترة طويلة من الزمن، وقد أدتها الفنانة بكل تأثر في صيغة متناغمة مع لغة المرحلة الحالية كنموذج خالٍ من النمطيّة بالمقارنة مع ما نسمعه من أغانٍ تندرج تحت اللون الوطني، وعن هذه الأغنية تقول الفنانة سيلفي سليمان: «الأغنية التي قدّمتها من كلمات الشاعر نزار قباني، فالاحتفالية هي تكريم لهذا الشاعر السوري الكبير، وهذه الأغنية غنتها السيدة أم كلثوم ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب. وهذه الأغنية بالذات لها أثرها البالغ في ذاكرة المتلقي العربي فهي ذات طابع كفاحي ضد أشكال الاحتلال، وكان لها تأثير في نفوس الشباب العربي للسعي والمقاومة والنضال ضدّ العدوان والاستعمار والدفاع عن كرامة الوطن، ونذكر جميعنا بأنها استمرت لسنوات وسنوات كأغنية ترمز للنضال والدفاع عن الكرامة العربية، على الرغم من أن الأجيال الجديدة لا تعرفها مع كلّ أسف، وبإعادة غنائها على مسرح دار الأوبرا نكون في مسؤوليّة إعادة إحيائها وتعريف الجيل الجديد بها ونقل الصورة الجميلة التي ارتبطت بهذه الأغنية بالتحديد».

موّال دمشقي
كانت أغنية نادرة للسيدة فيروز بعنوان «موال دمشقي»، لكن مع جهود الفرقة الوطنيّة في تعريفنا بالتراث القديم، وبجهود الفنانة ليندا بيطار وصوتها الجميل، بات للأغنية تألقها وأثرها في كلّ من سمعها ضمن الاحتفاليّة والنقل المباشر لها من خلال القنوات المحليّة، وعن جمال هذا الموال وتفرّد كلماته تضيف لنا الفنانة «ليندا بيطار»: «الموال الدمشقي الذي غنيته في الحفلة هو من ألحان الأخوين رحباني وغناء السيدة فيروز، والكلمات للشاعر الكبير نزار قباني، ومن المفاجئ أن معظم الناس الذين تواصلت معهم قبل تدربي على هذه القصيدة لم تمتلك معلومة حول وجودها، ولم تعرفها من قبل، والتي تعدّ بكلماتها من أجمل ما قيل في دمشق، ومن أجمل ما صيغ من معانٍ في بلدي. وأنا سعيدة لأنني أعدت إحياء هذا الموال الجميل عن الشام، وعلى مسرح دار الأوبرا، وسعيدة باشتراك مجموعة من المغنين ذوي الأصوات الرائعة لأداء قصائد جميلة لنزار قباني، وأتمنى أن يكون وقع الاحتفاليّة جميلاً كما رتبنا وكما حضرنا لها».

كلمات
جاءت قصيدة كلمات الساحرة التي لحنها الفنان إحسان المنذر وغنتها الفنانة «ماجدة الرومي» بوقع وأسلوب جديدين أدتهما الفنانة ميس حرب، وما ميّز هذه الفقرة أيضاً هو حضور الراقصين محمد شباط ومروة العيد في فقرة من إعداد الفنان «معتز ملاطيه لي»، وعن هذه الرقصة يتحدّث الفنان الراقص محمد شباط: «كانت مشاركتي من خلال لوحة راقصة من تصميم الأستاذ معتز ملاطيه لي، وبالاشتراك مع الراقصة مروة العيد، وأردت أن أقدم شيئاً جديداً من خلال هذه اللوحة، والتي ترافقت مع غناء الفنانة ميس حرب لقصيدة كلمات. ومن الجميل أن يكون هناك دمج بين أنواع الفنون لتقديم حفلة يشترك فيها نجوم بلدي، والأستاذ عدنان فتح اللـه يشجّع دوماً على هذا التعاون والاشتراك، على الرغم من الظروف القاسية التي يمر بها البلد، إلا أن الجميع حاول أن يظهر بالصورة التي تليق بنا جميعاً».

قارئة الفنجان
كان مسك ختام القصائد المغناة مع الفنان «ريان جريرة» ولأوّل مرّة في حضوره على مسرح دار الأوبرا، وعنه يقول الفنان عدنان فتح اللـه بأنه من الأصوات السوريّة المميزة التي تنتظر مستقبلاً مهمّاً، وهو يحمل إمكانيّاتٍ كبيرة، وهو صوت مثقف من طلبة المعهد العالي للموسيقا في دمشق، وقد قدّم بإحساس عالٍ قصيدة قارئة الفنجان. وفي تصريح خاصّ لـ«الوطن» يقول الفنان ريان جريرة: «هذه القصيدة المغناة «قارئة الفنجان» من أقدم وأهمّ الأعمال التي كتبها الشاعر الكبير نزار قباني، ولحنها المعروف قدّمه الفنان محمد الموجي، وتعدّ اليوم من الأغنيات الصعبة الأداء. وفي اختيار المايسترو عدنان فتح اللـه لي مسؤوليّة كبيرة جعلتني أكثر اهتماماً في تقديمها، ولاسيما أني أقف للمرّة الأولى على مسرح دار الأوبرا في دمشق للغناء، وهذا الأمر لا بدّ احتاج مني لتحضير وتدريب، وأتمنى أن تكون الناس قد أحبّت ما قدّمته لهم».

بورتريه نزار قباني
أُزيح في نهاية الحفل الستار على «بورتريه» من تصميم الفنان النحات «وسام قطرميز»، ليبقى في دار الأوبرا بشكلٍ دائم تخليداً لذكرى الشاعر نزار قباني، وفي تصريحه لـ«الوطن» يقول الفنان وسام قطرميز: «تأتي مشاركتي الفنيّة ضمن الاحتفاليّة الخاصّة بالذكرى 19 لرحيل الشاعر الكبير نزار قباني من خلال تقديم عمل نحت نصفي بورتريه يمثّل شخصيّة الراحل المبدع بكلّ ما تحمله من كبرياء ووقار تكريماً وتقديراً لعطائه الشعري المميّز، وما تمثله هذه الشخصيّة من رمزيّة لها مكانتها الكبيرة في وجدان الكثيرين، والعمل منفّذ من مادّة البوليستر، وسيتمّ عرضها أمام زوار ومرتادي دار الأوبرا بصورةٍ دائمة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن