جنوب سورية: اتفاق أم ربط نزاع؟
| بيروت – محمد عبيد
هل مازالت واشنطن قادرة على تحقيق مكاسب في سورية والعراق؟ تساؤل يفرض نفسه بعد الإعلان الروسي-الأميركي الأخير حول التفاهم على وقف إطلاق النار في منطقة جنوب-غرب سورية إثر اللقاء الأول بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في مدينة هامبورغ الألمانية.
كانت الدوائر الدبلوماسية الثنائية الروسية-الأميركية مشغولة خلال الأسابيع القليلة الماضية بالبحث عن مشتركات تُمكِنهما من بناء شكل ما من جسور التعاون وتكون محطة اختبار لمرحلة مستجدة من الشراكة بهدف معالجة الملفات العالقة بينهما وفي مقدمها سورية وأوكرانيا.
وكانت تتوالى في الوقت نفسه المتغيرات الميدانية التي أسقطت سلفاً أي احتمالات لصياغة أو تطبيق إستراتيجية أميركية جديدة كثر الحديث عن قرب ولادتها في الآونة الأخيرة خصوصاً بعد العدوان الأميركي على مطار الشعيرات السوري، هذا العدوان الذي هلل له وأيده الكثير من المراهنين والمنتظرين لدور أميركي عدواني يخلط الأوراق إقليمياً ويعيد الاعتبار لحلفاء واشنطن المهزومين والمأزومين.
كان الأميركي يعتقد حتى الأمس القريب أن مساحة مصالحه تمتد من القيارة العراقية إلى الرقة السورية مع ما تتضمنه هذه المساحة من حدود ومن ثروات طبيعية ومن خطوط تواصل إستراتيجية بين بغداد ودمشق تمنع ما أَخذ يُرَوِج له وصَدَّقه من قطع شريان المقاومة الممتد من طهران إلى جنوب لبنان. وفي الواقع لم يكن ذلك سوى مادة دعائية سياسية مبرمجة تثير الهلع لدى ممالك ومشيخات الخليج من التفاف هذا الشريان حول رقابهم وتهدف إلى «تشليحها» آخر ما تبقى لديها من أرصدة مركونة في الصناديق الأميركية. وكانت واشنطن ومازالت تعلم أن سيطرة داعش والنصرة وسيطرة قوات ما يسمى التحالف الدولي (الأميركي-البريطاني) على جانبي الحدود السورية-العراقية سابقاً لم تؤثر مطلقاً في حركة العبور والتبادل البشري والعسكري والتجاري بين كل دول وقوى المقاومة، بل إن تلك السيطرة دفعتها مجتمعة إلى ابتداع طرق وممرات بديلة بحرفية وسرية عالية مكَّنتها من إحداث تلك المتغيرات الميدانية التي أجبرت الأميركي على التعقل والعودة إلى مقاربة الوضع السوري بواقعية دفعته إلى دق أبواب الروسي بحثاً عن مكسب ميداني تسووي مقبول. إضافة إلى أن الراعي الأميركي لمس بعد ما سمي «القمة الأميركية-الخليجية» أن أتباعه يعتاشون على قوته ونفوذه على حين أن شركاء ندِّه الروسي يمدونه بالقوة الميدانية ليستثمرها على طاولة التفاوض، كما أُربِك بعدما وجد أن أولى نتائج القمة المذكورة كانت انفجاراً للخلافات الكامنة بين هؤلاء الأتباع وإنشغالاً عن العنوان الأبرز الذي أراده الإسرائيلي والأميركي وهو محاصرة النفوذ الإيراني!
لم يتمكن الأميركي من استثمار بعض وجودٍ له على مثلث الحدود السورية-الأردنية-العراقية لأنه لم ينجح في منع الجيش العربي السوري وحلفائه من التقدم إلى تلك الحدود وغيرها، وهو في الوقت ذاته لا يجرؤ على إنجاز السيطرة على الرقة وطرد داعش منها لأنه مازال يبحث في كيفية إدارتها وتسيير أمور أهلها الحياتية والمعيشية ولأنه أيضاً يخاف أهلها الموالين أصلاً لوطنهم مطالبته الارتباط بدولتهم خصوصاً بعدما عانوا ما عانوه مع ذاك التنظيم الإرهابي ووحشيته. كذلك لم يجد الأميركي لنفسه مكاناً لائقاً على طاولة رعاة أستانا لأنها إنجاز يصب في رصيد خصمه اللدود الروسي ولأن الشريكين في الرعاية هما عدوه الدائم الإيراني المتمرد التركي. إضافة إلى أن هذا الأميركي صار يعلم جيداً أن مسار جنيف من أوله إلى ما شاء اللـه لم يعد يشكل مدخلاً أو ممراً إلى صياغة حل سياسي بعدما أعادت تلك المتغيرات الميدانية رسم توازنات جديدة ترسخ انتصار محور المقاومة وفي قلبه سورية وتضع المفاوضين المعارضين المزعومين في مهب التسويات.
على أي حال، ارتضى الأميركي لنفسه أن يقبل بما تبقى من فتات على طاولة الحضور السياسي في المنطقة، وأن يكون كعادته عراب المشروع الإسرائيلي الذي يرى في سورية قيادة سياسية وجيشاً وشعباً، خطراً عربياً إستراتيجياً، فكيف بها اليوم بعد تجاوزها معمودية العدوان التي تُشن عليها بشكل مباشر منذ سبع سنوات، وما موافقته على الاتفاق المذكور إلا للحد من هذا الخطر الإستراتيجي على الكيان الإسرائيلي خصوصاً بعد التلاحم المشهود بين أركان محور المقاومة الذي كَبُرَ وصار قمراً مكتملاً.
مازلنا في البداية، واتفاق جنوب-غرب سورية الذي تم فصله عن المسارات الأخرى في جنيف وأستانا قد يكون الموقع الحقيقي والأهم لرسم نهايات الحرب الكونية على سورية، أو سيكون محطة ربط النزاع بين القوى الدولية والإقليمية بانتظار حسم أحد محاورها لمعركة أساسية تنهي هذه الحرب.