الافتراق.. سوتشي وجنيف
| مازن بلال
تريد الدول الضامنة تأسيس مشروعية جديدة من خلال سوتشي، فرغم الكثير من التناقضات التي تظهر أحياناً بين موسكو وطهران وأنقرة؛ لكن ما يجمعهم هو عدم الرضا عن طبيعة التحرك الدولي لإنهاء الأزمة السورية، والذهاب إلى سوتشي سيرفع الغطاء من جديد عن محاولات هذه الدول للتأثير في العملية السياسية، واعتماد قاعدة مختلفة في مرجعية منصات التفاوض، وفي الوقت نفسه تقديم بعض من الحلول التي بقيت غائبة طوال المرحلة السابقة, عمليا فإن الفارق الأساسي لما تقوم به الدول الضامنة، هو زج مجموعات أكبر بكثير من منصات التفاوض، ونقل المواضيع الأساسية إلى نقاش عام بقي موضع خلاف طوال السنوات الماضية، فالحوار في سوتشي ربما لا يفتح الطريق بشكل مباشر لكنه ضمن المنطق الروسي على الأقل تحريك للقضايا الأساسية، مثل الدستور والانتخابات، باتجاه قاعدة أوسع، والاحتمالات هنا ستكون مفتوحة نوعا ما لأنها ستنقل هذه القضايا إلى مستوى جديد؛ يشمل قطاعات مختلفة لم تشارك يوماً في العملية السياسية.
ضمن هذه الخطوة فإن الدول الضامنة تسعى لتكريس «مشروعية» مختلفة لعملية التفاوض، بعيداً عن الأمكنة الاعتيادية التي تتحكم بمسار العملية السياسية وعلى الأخص الرياض، فإذا نجحت روسيا في إدارة الخلافات ضمن هذا اللقاء، واستطاعت تحقيق الحد الأدنى من الحوار بأقل قدر ممكن من المخرجات فإنها ستقدم مساراً موازياً، وستصبح المسألة السورية في مواجهة أمرين:
– إعادة الاعتبار لمسألة التمثيل في جنيف، فسوتشي حتى اللحظة لا يقدم شرعية جديدة على المستوى السوري، ومهامه مرتبطة بمشروعية التفاوض فقط لأنه ينطلق من القضايا المطروحة نفسها في جنيف.
في سوتشي هناك لقاء عام لا يملك إطارا سياسيا خاصا، وهو يتحرك على إيقاع كسر الضغوط المفروضة داخل جنيف، فالاجتماع بذاته يشكل آلية تتحدى دبلوماسية المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في تحديد خيارات التفاوض وتفسيره للقرارات الدولية، وإذا كان من الصعب إنتاج مخرجات كاملة في سوتشي فإنه سيطلق حواراً غير مسبوق للأزمة السورية.
– ظهور محور إقليمي خاص ضمن مسار الحل السياسي، فاللقاء في سوتشي هو خيار الدول الضامنة بالدرجة الأولى، وهي الدول نفسها التي فرضت مناطق خفض التصعيد، وتحاول رفع دورها باتجاه استيعاب الحل السياسي حتى ولو ظهر من خلال التفاوض في جنيف، فلقاءات أستانا الأخيرة حددت من سيحضر سوتشي، ومن ثم تقدم القوى الاجتماعية التي سيتشكل على أساسها الحل السياسي.
يقدم جنيف تفاوضا يُفترض أن يؤدي إلى التزام الأطراف المتفاوضة بحل سياسي وبضمانات دولية، ولكن أي إجراء سياسي لا يمكنه أن يصبح واقعاً من دون حوامل اجتماعية يحاول سوتشي تقديمها، وفي الوقت نفسه فإنه يرسم قوة الأدوار الإقليمية في مواجهة «الضمانات الدولية» للعملية السياسية, فعلى المستوى السوري العام يجب النظر إلى سوتشي ضمن التحديات السابقة، فهو ليس مجرد محطة بل نقطة تأسيس مختلفة، وسواء نجح في إطلاق واقع جديد أم لم يستطع، لكن النظر إليه يجب أن يتحدد وفق سياق التعامل معه كإمكانية جديدة لحل الأزمة في سورية، وليس مجرد ترتيب يتولاه الآخرون كما حدث في جنيف.
العام القادم سيتحول إلى صراع المبادرات السياسية، وهو يضع السوريين أمام استحقاق مختلف إلى حد ما، فالاعتراف الدولي بتمثيل المعارضة لم يعد بالقوة نفسها، وهو ما سيغير من قواعد التفاوض التي يمكن أن تنطلق من سوتشي إذا استطاع السوريون التقاط هذا الحدث بشكل مختلف، والتعامل معه في إطار الفرصة للتأثير في المسار السياسي.