إحياء العلاقة مع الأطفال من خلال عزف جماعي … جمعية «صدى» تسعى إلى ترميم وتأهيل الأطفال من خلال الموسيقا الفاعلة في تهذيبهم
| سوسن صيداوي
في زمن الرصاص عندما ندعم الموسيقا نكون قد أُهدينا الحياة. جملة قالها أهالي الأطفال المنتسبين إلى ورشة العمل التي قامت بها جمعية «صدى»، والتي تسعى إلى نشر الثقافة الموسيقية مع دعم أي مواهب أو مشاريع أو فرق موسيقية جادة، وكانت باشرتها في معهد شبيبة الأسد في دمشق. الهدف من الورشة التي استمرت أربعة أيام موزعة دروسها على أربع ساعات تقريبا، ليس أن يعزف الطفل ويتبع النوطة الموسيقية، بل الأمر أعمق من ذلك، فالغرض هو بث أفكار إيجابية تنموية وتثقيفية عبر الموسيقا. فمثلا ومن أبسط الأمور والأكثر أهمية، والتي لا نهتم لها-لأننا من المجتمعات التي تعزز الفردية وتصفق دائماً للعمل الفردي-هو دفع الطفل كي يعزف، ويستمع، ويتذوق مع أقرانه من الأطفال، ضمن مجموعة تم اختيارها بعد تحديد المستوى، هذا إضافة إلى أمور تقنية وأساسية في الموسيقا لا يكسبها الطفل عادة خلال الدروس الممنوحة له في المعاهد، لأن المدرس هناك مقيد بمقرر عليه إعطاؤه في زمن محدد. إذاً فرح الأطفال ولقاؤهم مع الآخرين، والإقبال لاكتساب مهارات جديدة أمور تبعث بأمل كبير بأن من سيبني الوطن الغالي ليس داعش من نوع آخر- وخصوصاً أن الوطن لن ينهض إلا عبر الثقافة- وللحديث أكثر عن تفاصيل أشمل توقفنا مع المعنيين.
نشر الثقافة الموسيقية
تحدثت أمين سر الجمعية تامار شاهينيان عن أهم النقاط التي تسعى الجمعية إلى تحقيقها من خلال الورشة: «تأسست جمعية صدى في عام 2006، وكانت قد توقفت عن نشاطاتها فترة، ولكنها عادت لمتابعة نشاطاتها في عام 2017، بعد أن قمنا بانتخابات شكلنا خلالها مجلس إدارة جديداً، وبالنسبة لهذه الورشة كنا قمنا بالعديد من الاجتماعات مع أشخاص معنيين بالشأن الثقافي والموسيقي، ومن خلال لقائنا مع المايسترو ميساك باغبودريان، قدم لنا عدة مشاريع منها مشروع ورشات العمل- من وجهة نظره- كي نستفيد من خبرات الأساتذة الموجودين في البلد، ونُفيد شريحة الطلاب الصغار الذين هم بطبيعة الحال منتسبون للمعاهد الموسيقية. وطبعا الفكرة مناسبة للجمعية التي تهدف إلى لقاء المواهب السورية الشابة واحتضانها، لأنهم الشريحة الواجب العمل عليها من أجل بناء مستقبل أفضل، هذا إضافة إلى دعم الأساتذة الموسيقيين الذين لم يغادروا سورية. من حيث المكان وقع الاختيار على معهد شبيبة الأسد، فالمكان جداً مناسب والإدارة متعاونة جدا. وبالعودة لتفاصيل الورشة كان اتفاق الأساتذة الموسيقيين على التدريب على ثلاث آلات وهي الكمان والتشيلو والفلوت، وتم الإعلان عن الورشة. الأمر الذي فاجأنا هو تقدّم كم كبير من الطلاب، وفي البداية كانت الفكرة أن نضم الأطفال المتميزين فقط، ولكن بعد الإقبال ورغبة الطلاب في المشاركة، قررنا ضم كل الأطفال ضمن مستويات. وهنا أحب أن أتوجه بالشكر لإدارة معهد شبيبة الأسد لتعاونهم الكبير معنا، ولإحاطتهم بكل اهتمام، كما أرغب باسم الجمعية توجيه الشكر للأساتذة الموسيقيين الأستاذ رعد خلف، ومحمد نامق، وطارق حاتم». وعن مدة الورشة وساعات العمل وما يمكن أن تستتبعه هذه الورشة من ورشات تابعت أمين سر الجمعية: «مدة الورشة أربعة أيام متتالية وفي اليوم الواحد يبقى الأطفال في المعهد بين ثلاث إلى أربع ساعات، بعدها سيتم إكمال المشروع وإقامة العديد من الورشات المتعلقة بالموسيقا والعزف، إضافة إلى العناية والاهتمام في نشر الثقافة الموسيقية، وذلك من خلال تقديم المادة النظرية التي لا تدّرس في المعاهد الموسيقية سواء من خلال التعرف على المقطوعات العالمية أم على الموسيقيين العالميين، هذا إضافة إلى التذوق الموسيقي».
تعزيز ثقافة العمل الجماعي
من جانبه أشار مدير معهد شبيبة الأسد هيثم أمين إلى الدور السامي الذي تقدمه الفنون والموسيقا والرياضة مع أهمية نشر الوعي وضرورة العمل الجماعي قائلاً: «قررنا ضم كل الأطفال المتقدمين إلى الورشة من باب تشجيعهم على الورشات التالية، ولهذا تم استقبال كلّ الأطفال المنتسبين إلى المعاهد الموسيقية في دمشق، من عمر عشرة إلى أربعة عشر عاما. وما أدهشني بصراحة هو تجاوب الأطفال وفرحهم الكبير بالفكرة الجديدة، وخاصة أنه يتم تدريسهم على أيدي أساتذة كبار ومعروفين في سورية وهم الأستاذ رعد خلف، ومحمد نامق، وطارق حاتم، هذا من جهة ومن جهة أخرى ما يقوم الأساتذة بتعليمهم من أفكار جديدة كالعمل الجماعي، فالطفل في معهده يأخذ التمرين ويعود إلى المنزل كي يتدرب عليه ومن ثم يعود إلى المعهد كي يسّمع واجبه وكأنه واجب مدرسي، على حين هنا في الورشة يكتشف الطفل مهارات جديدة ويتعلمها في العزف على آلته، هذا إضافة إلى مشاهدته لمقاطع فيديو يعزف خلالها موسيقون على المسرح، وبالطبع كلّها آليات تنوّر مدارك الطفل وتصوّر له الحال التي سيكون عليها في المستقبل، عندما يواظب على الدروس ويتابع باجتهاد في الورشة، وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية هذه الورشات من حيث تحفيز الطفل وخاصة بوجود الأطفال المشاركين حوله، هنا حس المنافسة سيبرز عندهم وسيطورون مهاراتهم كي يكونوا أفضل، وخاصة أننا نعمل على تعزيز فكرة العمل الجماعي من خلال العزف الجماعي- لا الفردي- هذه الثقافة للأسف هي غريبة عن تفكيرنا أو في طريقة تربيتنا وتعليمنا لأطفالنا! وطبعا الأمر الذي لابد من الإشارة إليه والذي لا يستوعبه الآخرون أن العمل الجماعي يتطلّب جهدا أكبر بكثير من العمل الفردي، لهذا الموسيقا الكلاسيكية في كل دول العالم بطاقاتها هي الأغلى. إذا العمل الجماعي أصعب ويحتاج إلى إتقان أكبر، فليس من السهل أن تعزف الأوركسترا مع بعضها وكلّها في آن واحد وبطريقة متناغمة، وبالنتيجة نحن ما نطمح إليه هو أن يصل الطفل من خلال الورشات إلى هذه المهارة». وفي سؤال عن أهمية دور الأهل في التوعية والتربية وحتى في التنشئة أجاب مدير المعهد: «في الحقيقة لقد فوجئت بدور أهالي الأطفال، وخاصة من حيث الالتزام في أوقات دروس الورشة، فهنا نجد رغبة الأهل الجادة في إخراج طفلهم من جو الرعب والخوف المحيط، وهنا لابد لي من أسلّط الضوء على فكرة مهمة جدا، فنحن من خلال هذه الورشات أيضاً نقوم بتوعية الأهل، فإذا لم يكن الأهل مقتنعين بالفن والموسيقا والرياضة فلن يكون الطفل مقتنعا بها، وهنا أحب أن أذكر ما حصل في الصيف عندما وحدّت الموقف السوري لعبة كرة القدم، فالجميع نسي الأزمة والتفت إلى تشجيع المنتخب السوري، ونحن هنا يأتي دورنا بتوحيد صفوف الجميع وأن يعملوا جميعاً ضمن هدف واحد إنساني وسام، فلا شيء اسمى من الفن والموسيقا والرياضة. وبالعودة إلى الورشة لمسنا وعي الأهل الكبير وتضحيتهم براحتهم مقابل أن يأتي الطفل ويمضي وقتاً ممتعاً مع زملائه في الصف ويستفيد بأمر ينمي مداركه ويفيده في مستقبله».
الموسيقا فاعلة في التهذيب
بينما تحدث المايسترو رعد خلف عن أهمية الثقافة في بناء المجتمع وإعداد الأجيال قائلاً: «على الرغم من انقطاعي لفترة طويلة عن إقامة الورشات أو العمل مع الأطفال، إلا أنني رحبت بفكرة جمعية صدى، وخاصة أنها تهدف لإحياء العلاقة مع الأطفال من خلال الدروس الجماعية، وبصراحة فوجئت بعدد الأطفال المقبلين إلينا فهم يفوقون السبعين طفلاً، والأطفال الراغبون في التعلّم على آلة الكمان حوالى الخمسين، فقسمنا الأطفال إلى مستويين. في الحقيقة تأثرت كثيراً بوجود هؤلاء الأطفال لأن بينهم كثيرين لم يتأثروا بالأزمة، بل بكل تبعاتها، فاليوم نحن لسنا بحاجة إلى أموال كي نعمّر ما هُدّم من عمران، بل نحن بحاجة إلى بناء وترميم وتأهيل هؤلاء الأطفال كي لا يظهر لنا داعش بنمط جديد في المستقبل، والموسيقا من أكثر الطرق الفاعلة في تهذيبهم، وبرأيي لا يوجد بلد عانى من الحرب ووقف على أقدامه من جديد إلا من خلال الثقافة، فنحن تعرضنا لحرب على ثقافة أجيال كاملة، ومن ثم علينا أن نفكر بالأرياف أو ما يحيط بالمدن التي تضررت كثيراً بالأزمة، وخاصة المناطق التي لا يوجد فيها تكافؤ اجتماعي والتي كانت سببا أساسيا في إحداث خلل كبير في البلد».
التركيز على أمور أساسية
على حين أشار العازف والمدرس في الورشة محمد نامق إلى ما يقدمه إلى الأطفال من معلومات موسيقية وقال: «تضم ورشة العزف على التشيلو نحو اثني عشر طفلا، ولأن مستويات الأطفال كانت متفاوتة، استطعت أن أقسمهم إلى مجموعتين، ومن خلال الورشة أسعى لتقديم أمور للأطفال لا يلتفت إليها المدرس في المعهد لأنه مرتبط ببرنامج عليه تقديمه لهم، على حين نحن هنا في الورشة لسنا مرتبطين ببرنامج لهذا نركز على أمور أساسية وجوهرية تفيد الأطفال في مشوارهم في العزف، هذا إضافة إلى تمكين الطفل بأن يعزف عزفا جماعيا مع الآخرين، وبالتالي يتمكن من أن يسمع نفسه ويستمع إلى زملائه. بصراحة في أول يومين لم يعجبني أداء الأطفال، وبرأيي إذا لم يعتبروا الورشة معسكرا تدريبيا فإنهم لن يستفيدوا منها إذا لم يتمرنوا على التفاصيل والأساسيات التي قدمناها لهم».
الأمل كبير
على حين أشار العازف والأستاذ في الورشة طارق حاتم إلى أهمية أن يكون الطفل موهوباً كي يستفيد مما يُقدّم له من معلومات موسيقية «الفكرة جميلة جداً وهذه التجربة كي نواصل الورشات من بعدها، والأمر المفرح أن الإعلان كان قبل أسبوع من الورشة، ومع ذلك جاء الكثير من الأطفال، حيث ضمت ورشة الفلوت نحو خمسة عشر طفلا، فالإقبال جميل والأجمل تفاعل الأطفال معنا. عندي أمل كبير وخاصة لأننا نسعى لتأسيس الأطفال بشكل جيد، فهناك منهم من كان يعاني من النفس أثناء العزف، واليوم أصبح الوضع أفضل لأن تأسيسهم كان بطريقة خاطئة، فالأمر بالنسبة لنا ليس فقط أن يعزف الطفل على آلته وفق النوطة الموسيقية، بل أيضاً كيف يفهم آلته ويفهم التقنية، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه مهما بذلنا من جهد في تطوير مهارات الأطفال، فإذا لم تكن لديهم الموهبة والرغبة لتطوير أنفسهم فإن الورشة وجهدنا سيذهبان هباء».