التاريخ شاهد
| د. اسكندر لوقــا
مهما حاول المعتدي على حقوق الغير، دولة كان أم فردا، فإن التاريخ لا بد أن يكشف زيفه في وقت من الأوقات، وفي حالة من الحالات.
في الزمن الراهن يلاحظ كيف يبرر المعتدون على سورية أفعالهم بلبوس النيات الطيبة وهي على العكس من ذلك تماما، كما يرى ويلاحظ على أرض الواقع، على غرار النيات التي رافقت العدوان الفرنسي على سورية– على سبيل المثال– في عام 1920.
في العام المذكور، كانت دمشق على موعد مع منعطف تاريخي مهم، تحت ستار إعادة ترميم ما خلفه الاستعمار العثماني حتى زواله في العام 1918. وتحت هذه الحجة، وبتحالف فرنسا مع حلفائها، دخلت القوات الفرنسية مدينة دمشق بقيادة الجنرال دولاموت في الخامس والعشرين من شهر تموز، أي بعد يوم واحد من معركة ميسلون التي دفع فيها أبناء شعبنا ضريبة الدفاع عن أرض الوطن دماء لا تقدر بثمن.
في هذا السياق، رافق الجنرال دولاموت في رحلته الاستعمارية إلى دمشق رئيس أركان حربه الكولونيل بتيلا ، وذلك في الوقت الذي غادر فيه الملك فيصل المدينة ليجعل مقر قيادته في بلدة الكسوة، بعد أن كلف رئيس وزرائه مهمة إدارة الأمور في البلاد.
ومعروف أن دخول القوات الاحتلال الفرنسي مدينة دمشق، لم يكن وليد المصادفة ولا نتيجة ما سمي في بعض المراجع «الملابسات» وحكاية هذه الملابسات حكاية طويلة يعرفها من قرأ تاريخ سورية في القرن العشرين، وإنما كان تنفيذا لسلسلة من الخطوات التآمرية التي مهدت لوضع البلاد المحررة في الحرب العالمية الأولى تحت نظام الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني.
ومعروف أيضاً أن الوجود الفرنسي واجه خلال فترة بقائه في البلاد، سلسلة من الثورات التي أقضت مضاجع المنتدبين، ولم ترم بسلاحها قبل جلاء آخر جندي أجنبي عن أرض الوطن في عام 1946، وكان الفضل في ذلك، أولا وأخيراً، إلى الإنسان فوق الأرض التي ينتمي إليها، أعني أرض سورية.
في أيامنا هذه، يحاول المعتدون، بمختلف مشاربهم، الذين جاؤونا بقوة السلاح والغدر والتواطؤ من الكيان الصهيوني، إعادة تاريخ المنطقة وتحديدا تاريخ سورية إلى الوراء، مستذكرين تآمر آبائهم وأجدادهم علينا وهم ماضون على نهجهم بكل صفاقة.
إلا أن التاريخ، بغض النظر عن المكان والزمان، يبقى شاهدا على جدوى مقارعة المستعمرين والانتصار عليهم وهزمهم مهما كانت قواهم ومهما تنوعت أسلحتهم، ومن أينما جاؤوا، لأن من يرفض الإذعان لطغيان المستعمر هو المنتصر دائماً ومهما كانت الصعاب في مواجهة مساره.
سورية اليوم، المثال الناصع على مقارعة العدوان بسلاح يفتقر إليه العدو وهو الإيمان بالله ومن كان اللـه معه كان الشعب معه، ولا بد أن ينتصر على أعدائه مهما طال وجودهم على أرض الوطن في نهاية المطاف، والتاريخ شاهد على حتمية هذه المعادلة.