قرار محيط العاصمة
| سامر ضاحي
لا تشي الحشود العسكرية في محيط الغوطة الشرقية، باستعداد حكومي قبول أي تسوية من شأنها إطالة أمد تواجد جبهة النصرة الإرهابية ومعها المعارضة المسلحة في الغوطة، مع ما يعنيه ذلك من استمرار التهديد لاستقرار العاصمة على الدوام، لأن الفرصة اليوم متاحة وبشكل كبير أمام دمشق لنزع الشوكة المغروسة في حلقها منذ أكثر من سنتين والمتمثلة بإغلاق طريق حمص دمشق الدولي، وانعكاسات ذلك اقتصادياً كون الطريق يربط جنوب سورية بشمالها.
الروس، حلفاء دمشق، سربوا أنباء عن إجرائهم مفاوضات في أروقة الأمم المتحدة حول مشروع قرار يخص الغوطة الشرقية بعدما دفعت الحشود العسكرية المنظمة الأممية للمناداة بهدنة في عموم سورية فشلت أكثر من مرة بالصمود في مرات سابقة، وحرصت موسكو على التلويح بعصا اتفاق حلب كاشفة أن ملف الغوطة بات مستعجل الحل لا مؤجله، على حين كانت الأنباء المسربة حكومياً تشي بمفاوضات حول اتفاق مصالحة نفتها الميليشيات وأكدها رئيس هيئة التفاوض المعارضة نصر الحريري.
الواضح أن العملية العسكرية ستكون واسعة النطاق تحقق تقدماً نوعياً في المرحلة الأولى يتبعها اللجوء إلى المقترح الروسي أي سيناريو حلب، لاسيما وأن لدمشق سنداً دولياً يتمثل بانتهاء مهلة اتفاق خفض التصعيد في 21 كانون الثاني الماضي دون تمديد، وهي المحددة سلفاً بستة أشهر حيث أعلنت موسكو سابقاً أن الاتفاق وقع في 22 تموز العام الماضي، كما أن دمشق كانت تؤكد أن مصير مناطق خفض التصعيد هو المصالحة وهو ما لم يتم إلى اليوم.
الروس سيدعمون الجيش في عمليته داخل الغوطة، ليقطعوا الطريق عن ما أعلنوه سابقاً من مساعٍ أميركية لإقامة قواعد داخل الغوطة وهم الذين يبحثون اليوم عن حل لمعضلة القواعد الأميركية في شمال شرق سورية في ظل واقع متوتر بين القوتين العالميتين، كما أن الأميركيين يبدون في موقف لا يحسدون عليه أمام المعارضة، فهم ليسوا بوارد فتح جبهة ضد الجيش سواء في شمال غرب البلاد أو انطلاقاً من قاعدة التنف، للتخفيف عن حلفائهم في الغوطة، ولا يرغبون بإكساب الحكومة السورية نصراً استراتيجياً فيما لو فكروا بعدوان جوي ضد الجيش وتكررت نكستهم بعد إسقاط «إف 16» الإسرائيلية مؤخراً.
إقليمياً فإن بإمكان حلفاء دمشق تقديم الدعم اللوجستي والمادي والبشري والسياسي لعملية الغوطة، فيما تبدو ميليشيات المعارضة و«النصرة» عارية من أي دعم عسكري خارجي فلا طرق برية مع أي مكان آخر ولا حدود دولية قريبة من الغوطة.
أما محلياً فتبعات الحصار قللت من موارد المعارضة المسلحة وجعلتها غير قادرة على الدخول في حرب استنزاف مع الجيش طويلة الأمد، رغم كل ما تعلنه من امتلاك للسلاح والذخيرة، لأن من شأن فتح الجيش جبهات مختلفة تشتيت قوتها، أولاً، واستهلاكاً سريعاً لذخيرتها، ثانياً، ولا تملك سوى الضغط بالقذائف على العاصمة وبملف المخطوفين لديها حيث تشير التقديرات غير الرسمية إلى تواجد بضع آلاف منهم بحوزتها، وسبق للميليشيات أن وضعت بعضهم في أقفاص على أسطح المباني للضغط على الجيش ومنعه من استهداف المسلحين، لكن ما يرشح حالياً يشير إلى أن دمشق لن تتسامح بملفهم ولن تسمح بتهريبهم إذا ما حصل اتفاق، كما حصل في اتفاق حلب مرة أخرى.
لا تبدو لدى أي من تشكيلات المعارضة المسلحة أو التنظيمات الإرهابية في المناطق الأخرى القدرة على القيام بعملية من شأنها إشغال الجيش عن عملية الغوطة، فاستقرار الجنوب قرار إسرائيلي أردني خارج عن سيطرة المعارضة، ولا رغبة لتلك الأطراف، خاصة الإسرائيلية، بمنح الجيش مبرراً للتمدد أكثر، على حين تبدو جبهات إدلب متعطشة لوصول المزيد من المقاتلين، فيما لو وصل رفاقهم من الغوطة، ليس لمحاربة الجيش السوري حيث أثبتت عملية أبو الظهور عجزهم، إنما لتنفيذ رغبات السيد التركي الذي نقل بلمح البصر 4 آلاف مقاتل إلى جبهات عفرين وتركهم وحيدين في إدلب، ومن هنا سيكون السؤال التالي إلى جانب من سيقاتل مسلحو الغوطة في إدلب، هل إلى جانب جبهة النصرة أم إلى جانب «أحرار الشام الإسلامية» و«نور الدين زنكي» في ضوء اقتتال مستعر بين طرفين يبدو أنه لتصفية حسابات أميركية تركية للظفر بما تبقى للمسلحين في إدلب وريف حلب الغربي.
لن يكون أي مفاوض في مقابل الحكومة السورية، في وضع مريح، وهي، أي الحكومة، متعطشة لثاني أكبر نصر إستراتيجي في تاريخ الأزمة فيما لو تحقق حسم ملف الغوطة، فلا أوراق لدى الآخرين يمكن أن تشكل تهديداً اليوم.