تغييرات «اللمعة» الأخيرة في السعودية
| عبد المنعم علي عيسى
باتت الحرب السعودية على اليمن هي المحور الذي تقوم علية عملية بناء كل السياسات التي تعتمدها الرياض، وهذا الأمر يبدو منطقيا بدرجة كبيرة قياسا إلى مفرزاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية، وربما يمكن أن نقول في هذا السياق إن الحرب على اليمن ستصل في تأثيرها لتكون المحدد الأساس لمستقبل الكيان السعودي بل وستحدد إمكان استمرار الجغرافيا السعودية بوحدتها الراهنة من عدمه، إذا ما قيض لتلك الحرب أن تسير في اتجاهات أخرى.
منذ أن اعتلى العاهل السعودي الحالي عرش مملكته في العام 2015، أخذ على عاتقة مهمة ترتيب البيت الداخلي ليكون مناسبا ومريحا لابنة ولي العهد من بعده، وهو من أجل ذلك قام بالعديد من «موجات» التغيير، حيث تعني الموجة هنا، استصدار عشرات القرارات والمراسيم في يوم واحد للاستفادة من زخمها في كسر سدود المعارضين، والمؤكد أن كل تلك الموجات السابقة كانت تصب في اتجاه تعبيد الطريق أمام مليك المستقبل الذي يبدو فاقدا للحكمة والروية مما تمتع بهما أسلافه على امتداد ما يقرب من قرن.
في الغضون كانت تجري في الظلمة وبعيداً عن الأضواء سلسلة من التحولات أريد لها أن تكون ملتصقة بابن سلمان لوحده لإبرازه كشخص منفتح ومعتدل، وهي ذات طابع ديني اجتماعي للقول إن المملكة تعيش الآن نقلة نوعية هي الأهم في تاريخها، أما لماذا في الظلام فذلك لأن من شأن تسليط الضوء عليها أن يظهر صورة المملكة الراهنة وكأنها تعيش جسدا في القرن الحادي والعشرين في حين أنها تعيش روحا وثقافة وقوانين تعود للقرون الوسطى.
كانت آخر موجة من موجات التغيير سابقة الذكر قد جرى الإعلان عنها يوم 26 من شباط المنصرم وهي التي أطاحت بكبرى المناصب العسكرية في الجيش السعودي، وعلى الرغم من أنة يجوز وضعها في سياق سابقاتها إلا أنها تبدو حالة اختصاصية أكثر، بمعنى أن تلك التغييرات تصب في اتجاه تعبيد الطريق أمام ولي العهد إلا أنها التفتت هنا إلى حالة تذمر بدأت تسري في صفوف الجيش جراء تداعيات حرب اليمن التي بات ينظر إليها العديدون على أنها عبثية ولا طائل منها، ولذا فقد تقرر ضرب مراكز التبرم بتوجيه أشرفت علية السفارة الأميركية بالرياض، واستبدال من يشغلونها بقيادات شابة تكون تلقائياً أكثر مطواعية، أقله لفترة معينة، تجاه من أوصلها إلى منصبها الجديد الذي لم تكن تحمل أمالاً بإمكان وصولها إليه.
حرب اليمن باتت لها خصوصية فائقة، وهي ليست ككل الحروب، ومفاعيلها التي تصدرها إلى الداخل السعودي هي الأخرى ليست ككل المفاعيل، ولذا فإنها تحتاج إلى بعض العمليات الجراحية لإزالة الندبات خشية تحولها إلى أورام لا علاج لها، وتحتاج أيضاً إلى العديد من الجراحات التجميلية لأن من شأن بقاء أثار الاستئصال أن يذكر دائماً بالحالة التي كانت قائمة قبلها، والجدير ذكره هو أن كل تلك العمليات يجب أن يرافقها حذر بالحدود القصوى، فمن المعروف أن الجيش السعودي هو من الناحية العملية جيشان بكل ما تعنيه الكلمة، ولكل منهما حيثيته وكيانه الذي لا يشبه فيه الآخر، الأول يمثل الحرس الوطني بقوام 100-120 ألف جندي وهو مكون من أبناء زعماء القبائل وكذا أبناء الصفوة في الطبقة الدينية خصوصاً تلك التي تمازجت في العقدين الماضيين مع توجهات اقتصادية، والثاني جيش العامة بقوام 180-200 ألف جندي ويضم مختلف الشرائح الدنيا في المجتمع، وما يلاحظ هنا هو أن التغييرات كانت قد طالت فقط هذا الجيش الأخير دون أي مساس بجيش الحرس الوطني حيث يفترض أن يكون أي عمل مماثل أكثر حذرا وأكثر حساسية، لكن على الرغم من ذلك فإن «الموجة» سوف تضرب قريبا هذا الجيش الأخير انطلاقا من أن كل ما يجري ترتيبه سوف يكون بلا معنى إذا لم يترافق أو يتوج بإعادة هيكلة جذرية تعيد، أي لجيش الحرس الوطني، التصاقه بدرجة أكبر بعرش المليك الجديد.
مسلسل التغييرات في السعودية قد يبدو للوهلة الأولى سلسا أو عديم الارتدادات، إلا أنة إذا ما أضحت تلك التغييرات حالة احتياج دائمة فإن ذلك من شأنه أن يحيل العرش برمته إلى مريض يحتاج على الدوام لمشفى، وهو حتى عندما يخرج من هذا الأخير يكون لزاما علية قضاء فترات نقاهة قد لا تكون مختلفة كثيراً عن الحالة الأولى.