مسرح العرائس السوري ينبض عربياً … بسام ناصر لـ«الوطن»: زمن التجريب والاستسهال بمسرح الطفل قد ولّى ومن يخفق فلن يُسمح له بإعادة التجربة
| سوسن صيداوي
الدمية بطلة ومعلّمة وملّقنة في مسرح العرائس، من البساطة ومن البراءة والذكاء الحاد، علينا التحضّر والتفكّر جيدا لاختراق عالم الطفولة وإثبات النفس فيه عبر التأثير في هذا الكائن الرائع وجذب اهتمامه ومن ثم الإمساك بيده، ومرافقته انطلاقا من عالمه الخاص إلى عالمنا.
عبر التاريخ هناك الباحثون والمفكرون الجادون في البحث عن سبر أغوار الطفل- بالطبع ليس فضولا ولا زيادة مفهومية- بل لعجن الطفل وتأهيله بطريقة تتناسب أولا مع واقعه كي تخف عليه الصدمات، ومن ثم كي يصبح شخصا قياديا فاعلا حتى على مستوى محيطه، بعدها كي يساهم في بناء المستقبل. واليوم نحن نسعى جادين في هذا المضمار وعلينا أن نسابق الزمن فيه، كي نلحق ما فاتنا وفي الوقت نفسه ننطلق. ومن مسؤولية المعنيين في وزارة الثقافة أولا ووزارة التربية ثانيا، التوجه نحو مسرح الطفولة بشكل عام ومسرح الدمى بشكل خاص، لتفعيل نشاطاته بشكل جد فاعل، وزجّه- متجاوزين أي عقبات أو مطبات- في المنهاج الدراسي، باعتبار المسرح أولا أبو الفنون، ولكونه وسيلة تعليمية، تربوية، تم الاعتماد عليها بشكل أساسي في التربية والتعليم في العديد من دول العالم عبر التاريخ. ومناسبة حديثنا عن مسرح العرائس والدمى، حصول سورية على جائزة أفضل عرض مسرحي للدمى، وأفضل محرك عرائس- عبر عرض العرائس «فرقة الحيوانات الطيبة» من إعداد وإخراج بسام ناصر، ومحرك العرائس إيمان عمر، في مشاركة مديرية المسارح والموسيقا في مهرجان الحسيني الصغير بدورته الرابعة، والمخصّص لعروض الأطفال في العراق والدول العربية، والمقام سنوياً في مدينة كربلاء، وذلك في أول مشاركة لمسرح الطفل والعرائس خارج القطر خلال سنوات الحرب. وفي تفاصيل أكثر حول الجائزة والصعوبات التي تواجه مسرح الأطفال والعرائس، إضافة إلى دور هذا المسرح في عملية التربية والتعليم إليكم المزيد.
حول الجائزة وضرورة المشاركة
تحدث مدير مسرح الطفولة بسام ناصر عن تجربة المشاركة في مهرجان الحسيني الصغير الدولي الرابع، الذي أقيم مؤخراً في العراق، مشددا على ضرورة المشاركة وأهميتها في تعزيز الثقافة المسرحية ونشرها بشكل أوسع، قائلا: «لقد شاركنا من خلال عرض «فرقة الحيوانات الطيبة» وهو من تأليفي وإخراجي، وحصول سورية على أفضل عرض مسرحي للدمى، وعلى أفضل محرك عرائس، كان له الأثر الأكبر لدى كل المعنيين. فلقد استطعنا أن نفرض حضورنا وتميز المسرح السوري، وكانت رسالة لكل المشاركين بأننا مازلنا نقدم الأجمل رغم كل ما يحدث، وعلى هذه التجربة أن تتكرر في كل المهرجانات القادمة، فالاحتكاك والاطلاع على تجارب الآخرين يغني ويجعلنا ندرك أين نحن من تلك التجارب، وهي في الوقت نفسه مسؤولية أكبر كي نبقى نقدم أفضل ما لدينا، وهذا يدفعنا بدوره للتمسك أكثر بمسرح الطفل بشكل عام ومسرح العرائس بشكل خاص لما له من تأثير في عملية البناء والتطور للطفل كي يكون فاعلا ومهما في المستقبل». على حين تحدثت إيمان عمر عن مشاركتها والجائزة التي حصلت عليها كأفضل محرك عرائس «هذه الجائزة أضافت لي الكثير لأنها شجعتني أن أسعى بكل طاقتي وجهدي إلى تقديم الأكثر تميزاً وجمالاً لهذا المسرح، وخاصة أنني أبحث دائما مع الأستاذ بسام ناصر عن كل ما هو جديد، من أجل تحقيق الغاية المرجوة من المسرح من حيث المتعة والإفادة، وأيضا شد واستقطاب الأطفال عبر تحديث نوع الدمى، لأننا نسعى جادين إلى استقطاب أكبر شريحة ممكنة من الأعمار كي تشاهد عروض مسرحنا، فنحن لا نريد حصر مشاهدته على الأطفال فقط، بل يهمنا أن نشد العائلات وخاصة الأهل لأنهم هم من يدفع الصغار إلينا ويحضرهم».
صعوبات وعقبات
عن آلية العمل المسرحي وانسجام كل العناصر المكونة له مع بعضها يتحدث مدير مسرح الطفل بسام ناصر لكونه أيضا مخرجا، مشددا على المسؤولية التي على المخرج تحملّها في سبيل تقديم العروض، بعيدا عن الاستخفاف والاستستهال الذي اعتدنا عليه قائلاً: «على المخرج أن يكون على قدر كبير من المسؤولية فيما يقدم، فالمخرج لا يستطيع أن يصنع عرضاً مسرحياً بمفرده، فالعرض المسرحي يحتاج إلى مكوناته ومبدعيه من ممثلين وفنيين، وعلى المخرج أن يكون مديراً لورشة تجمع كل صانعي العرض المسرحي، فهو المحرك لهذه الورشة وعليه أن يديرها بإتقان كي يصل عبر الممثل والفني إلى الصيغة النهائية للعرض المسرحي». بينما هنا شرحت محركة الدمى إيمان عمر الصعوبات التي تواجهها في أدائها لدورها قائلة «من أهم الصعوبات التي يتعرض لها محرك الدمى، عدم انسجامه مع الدمية، أو عدم قدرته على توصيل الحالة للطفل عند التحريك عبر إتقان الحركة والصوت المقلد للدور، وهذا يعود مثلا لضيق المكان الذي لا يمنح الحرية في التحريك، أو بسبب حجم الديكور الذي يعيق من حركة محرك الدمية، كما أنّ اللياقة البدنية ضرورية وإذا لم تتوافر في المحرك فهي من إحدى الصعوبات، وخاصة أن هناك عدة أنواع للدمى منها الجاوى والقفاز ودمى الخيطان والدمى الملبوسة، ولكل واحدة منها أسلوب بالتحريك وتحتاج إلى طاقة في الحركة، وهنا لابد من الحديث قليلا عن محرك الدمية ومقدار الجهد المضاعف الذي يبذله للفت انتباه الطفل، لأنه حواسه كلّها تكون ملكا للدمية التي يقوم بتحريكها، حتى حركة جسده تتحرك مع حركة الدمية، ويحقق هذا الانسجام والاندماج، وفي النهاية يشاهد الطفل الدمية وكأنها حقيقية، وإن صح التعبير تندمج روح المحرك وحركة جسده مع الدمية ويصبح الاثنان واحدا».
الاستسهال والتجريب ممنوع
المفاهيم اليوم تغيرت، فلا يمكن للمخرج في مسرح الأطفال أن يقدم أولى تجاربه فيه، ولن يكون الطفل ضحية، بل يجب أن يقدم المخرج تجاربه السابقة ورؤيته، هذا ما شدد عليه المخرج والناقد المسرحي بسام ناصر مضيفاً: «زمن التجريب والاستسهال بمسرح الطفل قد ولى، فعلى من يريد أن يقدم نفسه مخرجاً لعرض مسرحي موجه للطفل، أن يحسبها جيداً قبل أن يقدم على تلك الخطوة، عليه أن يعي أنه أمام امتحان صعب، وعليه أن يحضر جيداً لهذا الامتحان، لأنه لن يُسمح له بإعادة التجربة مرة ثانية إن أخفق، وهذا لا يعني إغلاق الأبواب أمام التجارب المسرحية الموجهة للطفل، بل على العكس، فنحن نفتح الأبواب للجميع، وهذا الكلام لا يشمل الأعمال المقدمة إلى مديرية مسرح الطفل، بل يشمل الفرق الخاصة التي تقدم أعمالها على مسارح القطر، وأنا معني بما أقول ضمن صلاحياتنا وعلى خشبات مسارحنا الممتدة على مساحة القطر، أما ما يتبع للجهات الأخرى التي تسمح بدورها بتقديم الموافقات لأعمال مسرحية موجهة للطفل فهي خارج صلاحياتنا، لذلك علينا جميعاً أن نكون على قدر من المسؤولية تجاه ما يجب تقديمه للطفل، وعلينا أن نحميه، لا أن يكون ضحية عبثنا، فالمسرح منبر مؤثر وفعال في نشر الوعي والثقافة، يكفي الطفل ما عاناه خلال هذه السنوات الأخيرة». من جهتها تحدثت إيمان عمر عن تعامل الممثل مع مسرح الأطفال وعطائه له الذي يجب أن يكون كبيرا انطلاقا من أهمية هذا المسرح قائلة: «مسرح الدمى من أهم المسارح التي تستطيع أن تجذب الطفل وتشد انتباهه، وهذا النوع من المسرح مهم جدا ولقد كان في مرحلة قديمة من التاريخ يستخدم في الكنائس لتوجيه الأطفال وتربيتهم، هذا إضافة إلى أنّ الطفل يشاهد عروضه الترفيهية وهي في الوقت نفسه تربوية وتعلمية. وبالنسبة لي لا يمكن أن أتعامل مع مسرح الأطفال أو العرائس باستخفاف، حتى إنني صقلت موهبتي بطريقة جادة عبر اتباع دورات منذ عام2000 ، سواء كانت الدورات لتحريك الدمى أم لتصنيعها، فمثلا تابعت دورة بالعرائس في مركز أدهم إسماعيل مع الآنسة ريم الخطيب، ثم في عام 2004 تابعت دورة في مسرح العرائس مع الأستاذ محمد خير علوي، ومن هنا كانت لي أول مشاركة في عرض تحريك الدمى وتسجيل أصوات الشخصيات، وطبعا قام أشخاص بتشجيعي في هذا المجال منهم الآنسة ريم الخطيب، وفي تصنيع الدمى السيدة منور عقاد، هذا إَضافة إلى تشجيع أهلي وأصدقائي لصقل موهبتي في كل مجالاته من تحريك وتصنيع والصوت والتمثيل. وهنا أحب أن أؤكد أمراً مهماً جدا، المسرح جميل جدا يحمل الروح والشجاعة والقوة، وأنا لا أنادي أحداً من الفنانين، لأن خشبة المسرح كبيرة جدا وتتسع لمن يحبها وترفع اسم من يمثّل عليها. وبالمقابل أنا أشعر وكأن روحي معلقة في المسرح، لا أستطيع الابتعاد عنه لأنه جزء مني وسأبقى ولن أتراجع يوما عن هذه الخشبة».
في الختام.. كلمة بمطالب
في نهاية حديثنا أشار بسام الناصر كمخرج ومدير لمسرح الطفل والعرائس إلى عدة نقاط مهمة وعلينا أن نلتفت إليها في المستقبل، متابعاً «لدى مسرح الطفل والعرائس موسم مسرحي ضمن الموسم المسرحي في مديرية المسارح والموسيقا، بحيث توزع مجموعة من العروض على مدار السنة، ومديرية المسارح هي الممول لهذا الموسم، إضافة إلى كونها منتجاً وممولاً لجميع العروض المسرحية على مديريات المسرح القومي في جميع المحافظات، ونحن لا نطلب إلا أن نكون مثل بقية العروض المسرحية- من حيث الدعم المادي والاهتمام- وأعتقد أننا الأهم بالدعم لكون هذا المسرح موجهاً للطفل بشكل خاص وهذا الطفل هو المعني بعملية البناء والتطوير في المستقبل، لذلك أنا آسف لما يحدث في بعض العروض المسرحية، لأننا نرى الاهتمام الإعلامي والتطبيل بتجارب مسرحية قد لا ترقى بالنتيجة لكل هذا الاهتمام، فقط لأن صانعيها لهم علاقة بالدراما التلفزيوينة، والوقت نفسه هناك تجارب مسرحية مهمة تمر مرور الكرام، وهذا بدوره ينطبق على مسرح الطفل والعرائس. فمعظم العروض المسرحية لم يلق الاهتمام من المعنيين بالمسرح ولا المتابعين له، ولا من الوسائل الإعلامية، وكأن المستقبل هو للكبار، والطفل تحصيل حاصل ليبقى على هامش التجربة».