الرئيس بوتين أعاد روسيا قوية فاعلة ومؤثرة في العالم
| د. قحطان السيوفي
قراءة المشهد الروسي على الساحة الدولية مع بداية ولاية الرئيس فلاديمير بوتين الرابعة، وخطاب القسم، والحوار المباشر له مع الشعب في 7 حزيران 2018 وقمة بكين الروسية الصينية اليوم التالي، كل ذلك يؤكد مقولة الرئيس بوتين إن «روسيا عضو قوي وفاعل ومؤثر في العالم».
بعد 18 سنة على حكمه، أُعيد انتخاب بوتين في آذار 2018 رئيسا لروسيا بنسبة 76.66 بالمئة، ما يؤكد تزايد شعبيته، ويمدد مدة حكمه حتى 2024.
ومن المفيد الإشارة إلى بدايات انخراط بوتين في السلطة لنصل إلى مرحلة تألقه الحالية، فقد تبوّأ منصب رئيس الوزراء، مع الرئيس المريض بوريس يلتسين، حيث انخفض مستوى معيشة المواطنين، وضعف الاقتصاد، كنتيجة مباشرة لسياسة الخصخصة الفاسدة، وأوشكت البلاد أن تسقط في أيدي أباطرة الأعمال، وتتابعت الحوادث الإرهابية في روسيا، وانقسم المجتمع الروسي، وكانت خطوة بوتين بإعادة موسيقا النشيد الوطني للاتحاد السوفيتي بعد تغيير كلماته، خطوة شديدة الأهمية برمزيتها، كمصالحة وطنية داخل المجتمع الروسي وكان من أولويات بوتين الحفاظ على السلام والاستقرار بين أطياف الشعب الروسي، ومجابهة المخاطر، ثم الانطلاق لتغيير الوضع المتردّي آنذاك.
بدأ بوتين ولاية رابعة، وعلى الرغم من «تواضع» مراسم التنصيب، مقارنة بعام 2012 كان لافتاً اهتمام بوتين في إبراز علاقته المتينة مع الشعب وخاصة الشباب.
بوتين قال في بداية خطاب القسم إنه يدرك «المسؤولية الكبيرة تجاه الشعب وروسيا»، وواجبه عمل «كل ما يمكن لازدهار ومستقبل» البلاد، مؤكداً أن «أمن روسيا وقدراتها الدفاعية مؤمّنة»، ووصف المرحلة بأنها «عصر التغيير العاصف»، وعلينا اتخاذ قرارات تاريخية ستحدد مصيرنا للعقود المقبلة، وأن الأولوية «لاستخدام طاقات روسيا لتسوية ملفات التنمية الداخلية، وإنجاز اختراقات اقتصادية وتقنية لرسم طابع المستقبل»، وأن «المجتمع المدني الحر يجب أن يكون أساساً ثابتاً لتطور البلاد، ورفع مستوى الحياة».
مع تأكيده أن روسيا ماضية في مواكبة التغيّرات العالمية، وجّه بوتين رسالة إلى الغرب تُبرز «انفتاح روسيا للحوار والعمل في شكل فاعل مع شركائنا في تطوير مشاريع عالمية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والإنسانية والثقافية، وشكر مواطنيه لـدعمهم الصادق، للدفاع عن موقعنا على الساحة الدولية وأيضاً من أجل إحداث تغييرات إيجابية في العمق داخل البلاد، وأظهر استطلاع للرأي أعدّه مركز «ليفادا» أن 47 بالمئة من الروس يعتبرون أن أهم إنجازات بوتين تكمن في نجاحه في إعادة روسيا قوة عظمى.
الرئيس بوتين وضع خطة لبلوغ الاقتصاد الروسي مصاف أضخم 5 اقتصادات بحلول العام 2030.
وأشار إلى أن الحكومة الجديدة أمام مهمات صعبة، في ظل أزمة دبلوماسية عميقة مع الغرب، وعقوبات على القطاعين النفطي والمالي، ووعد بأن تكون موسكو في السنوات الست المقبلة لاعباً قوياً في الساحة العالمية، يدعمها جيش قوي، ومن أهم الأولويات التي واجهها:
أولا، انقضت جورجيا بدعم وتدريب أميركي على جمهورية أوسيتيا الجنوبية المجاورة لها عام 2008، لتندلع مواجهات عسكرية بين جورجيا، المدعومة من الغرب، وروسيا.
ثانيا: استعادة شبه جزيرة القرم، وموضوع أوكرانيا.
ثالثاً: استجاب الرئيس بوتين لطلب الحكومة السورية الشرعية للتدخل مباشرة للمساعدة في محاربة التنظيمات الإرهابية في سورية المدعومة من الغرب وحلفائه الإقليميين.
عندما أعطى الرئيس بوتين الإصلاحات الاقتصادية أولوية، شن الغرب هجوماً شاملاً ضد روسيا، ما خلق مصاعب خارجية كالحصار الاقتصادي.
أكد الرئيس الروسي أن الاقتصاد الروسي تجاوز مرحلة الانكماش وانتقل إلى مرحلة النمو منوها بأن نمو الاستثمارات المباشرة يتجاوز نمو الاقتصاد وأشار إلى أن الحكومة ستعمل على تقديم الدعم للقطاع الزراعي في البلاد، والذي شهد طفرة نمو خلال العامين الماضيين، وروسيا عاشت دائماً تحت العقوبات التي شكلت حافزاً لتطور الصناعات التكنولوجية العالية وقطاع الزراعة في البلاد، مشيراً إلى أن خسائر الدول المنخرطة في العقوبات المفروضة على روسيا بلغت 100 مليار دولار، مقابل 50 مليار دولار خسرتها روسيا، لذا فإنها سلاح ذو حدين وتضر بالجميع، ولقد أعلن بوتين في خطابه أمام البرلمان في آذار 2018 عن أنواع جديدة من الأسلحة سوف تجعل الولايات المتحدة الأميركية عاجزة عن التصدي للأسلحة النووية الروسية، ما جعل موقف روسيا أكثر قوة، إضافة إلى خفض روسيا لميزانيتها العسكرية هذا العام، هو بمنزلة إعلان عن أن روسيا لا تريد الحرب، الرئيس بوتين سوف يتجاهل المهاترات الساذجة والاستفزازات الأميركية لجرّ روسيا إلى حرب بالأسلحة التقليدية.
تشير مراكز الدراسات الغربية إلى أن بإمكان روسيا أن تتبع في مواجهاتها سياسة «التصعيد من أجل التهدئة»، بمعنى أن تمدّ خطوط التصعيد حتى نهاياتها، حيث حافة استخدام السلاح النووي، وبعدها يتعيّن تجميد هذه المواجهة.
قال الرئيس الروسي خلال الحوار المباشر، في دورته الخامسة عشرة، ليست العقوبات ثمنا ندفعه مقابل القرم، بل نهج سياسي يُمارَس تجاهنا، وثمن ندفعه بسبب رغبتنا الطبيعية في الحفاظ على وجودنا شعبا وحضارة ودولة ولن ننحني أمام أحد.
وأضاف: واشنطن تسعى لخلخلة التوازن العالمي لكن سلاحنا المتطور لن يسمح بذلك، وفي رده على سؤال حول احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، ذكر بوتين، بتصريح العالم، ألبرت أينشتاين، الذي قال إن هذه المواجهة حال نشوبها ستكون الأخيرة للبشرية، والخوف من التدمير المتبادل أتاح إقامة توازن عالمي ومنع نشوب حرب عالمية جديدة، مشدداً على ضرورة إيجاد أشكال حديثة للتعاون الدولي المشترك، ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد العالمي، ومن النقاط الرئيسية في حوار بوتين المباشر مع المواطنين عملنا على تعزيز قدرات الجيش السوري حتى يحقق أهدافه بفعالية ومكافحة الإرهاب.
كما كانت قمة بكين الروسية الروسية الصينية تأكيداً للشراكة الإستراتيجية وإعاقة للهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي، وأخيراً استطاع الرئيس الروسي بوتين إعادة القوة والفاعلية والتأثير لبلده على الساحة الدولية.