الواق واق.. رحلة العبور إلى المجهول … بين النقد السياسي والجماهيرية رسائل يتم توجيهها درامياً فهل تصل؟
| أحمد محمد السّح
نال مسلسل الواق واق حملةً إعلانيةً كبيرة، مستنداً إلى نجاحات الكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو في أعمالهما الكوميدية المشتركة السابقة، وكان العمل أحد الرهانات القوية للدراما السورية في هذا العام، وبناء عليه فقد تم الاتفاق على منح غناء المقدمة للفنان كاظم الساهر الذي فرح الجمهور بأدائه لهذه الأغنية المكتوبة باللهجة السورية، بقلم الشاعرة سهام الشعشاع، وألحان الموسيقي طاهر مامللي، لكن الانتكاسة الأولى للعمل كانت حين فوجئ الجمهور أن أداء اللهجة من الفنان كاظم الساهر لم يكن ناجحاً بل كان مرتبكاً، فهو ينطق حرف الياء مفخماً في كلمة (شي) في مطلع الأغنية على حين أن الياء الشامية مرققة دائماً، وبالتدقيق بكلمات الشارة سنجدها ليست أهم إبداعات الشاعرة، إنما هي كلمات غنائية لشاعرة محترفة قامت برصفها بما يتناسب مع موضوع العمل لا أكثر.
لم يحقق العمل الإجماع الجماهيري، فثمة من يعتبر أن العمل يحتاج إلى فترة للتوافق حوله مستندين إلى العمل الناجح جماهيرياً «ضيعة ضايعة»، حيث إنه في عرضه الأول لم يحقق نجاحاً لكنه بعدها حقق قيمة فنية لم يعد حولها أي خلاف، وثمة من يستند إلى معدل المشاهدات على اليوتيوب التي وصل بعضها إلى مليون مشاهدة للحلقة الأولى، ثم ينخفض معدل المشاهدات تدريجياً حلقة إثر أخرى، وهو رقم قياسي في زمن قياسي. لن نناقش فكرة عرض العمل على قناة (لنا) الجديدة، وما حصل من أخطاء في بداية العرض، على الرغم من أن للعرض أهمية في التسويق ولكن سنحاول الوقوف على المحتوى للعمل، وثمة من يريد عزل النقاش للمحتوى الدرامي للواق واق عن «ضيعة ضايعة «بجزأيه» و«الخربة» وهذا حق ووجهة نظر تؤخذ، فالمقارنات ظالمة ومؤذية عادةً والمهم محتوى العمل وملابساته لا ما قدمه أصحابه من قبل.
اعتمد الكاتب على فكرة النقد السياسي في الدراما وهو ما نجح فيه منذ بداية دخوله الوسط الدرامي من بوابة كتابة السيناريو، لكن ممدوح حمادة تجاهل في هذا العمل فكرة أن الدراما ليست صندوقاً لتوجيه الرسائل إلى الجمهور، وأن الإسقاطات المباشرة لم تعد تنفع، فالجمهور يقرأ ويتلقى ويضحك وينتقد، فاعتماده على تجميع شخصياته في بيئة افتراضية هي بلاد الواق واق، وهو مصطلح سوري يعني بلاد المنفى، هو خط الإبداع الأساسي الذي رسمه الكاتب، فقد حدد سبع عشرة شخصية، أعطى لكل منها وصفاً وتحديداً لتمثّل شريحة في المجتمع يستطيع من خلالها تحميل الشخصيات ما يريد إيصاله وهو ما لا خلاف عليه. وقد أوضحه الكاتب في الحلقات الخمس الأولى التي كانت السبب في ابتعاد الجمهور عن متابعة العمل، فالشخصيات تتحدث باستمرار حديثاً مكرراً ومتوقعاً، من لحظة تعرفك إلى ماهية الشخصية وسلوكها، أما أن تقضي شخصية ولاتو «طلال الجردي» الحلقات الخمس الأولى في البحث عن ماعز على الجزيرة، بينما يقضي الفنانان أحمد الأحمد ومحمد حداقي «وديع وصفا» جل وقتيهما في البحث عن مكان وآلية لقضاء الحاجة فهذا ما يمكن الوقوف تجاهه بشكل سلبي ومرفوض.
يكثر الكاتب من المتكآت اللفظية المخصصة لكل شخصية، حيث يمكن القول إن كل شخصية لها متكؤها اللفظي الخاص بها وربما لكل شخصية أكثر من متكأ، وقد يكون هذا المتكأ جملة طويلة لا مجرد كلمة عابرة، فشخصية المارشال العسكري عرفان الرقعي «رشيد عساف» تكررت: «هذه أوردتها في كتابي الجندي المشاة في كل الوضعيات» بينما شخصية أبو دقور «جمال العلي» تكرر «طزيلا للي هر هي هوهو..» بينما يكرر بعض الممثلين شخصيات ولهجات اجتهدوا واشتهروا بها في أعمال سابقة، فالممثل جمال العلي يكرر هذه اللهجة منذ دوره في مسلسل عيلة ست نجوم، والممثلان باسم ياخور وحسين عباس يكرران اللهجة الخاصة بعمل «ضيعة ضايعة» من دون تغيير، بينما تظهر شخصيات جديدة بمساحات صغيرة لكن يحسب للممثلين اجتهادهم في أدائها، فالممثلة «نانسي خوري» تؤدي أداءً متمكناً وتشتغل على مساحة صغيرة في الدور يكملها معها الممثل الشاب «أنس طيارة»، بشخصية ورطان الأرمني وهما باحثان عن الوصول إلى أميركا لتحقيق زواج مدني لأن الشاب مسيحي والشابة مسلمة، وهما يشيران إلى ذلك بشكل غير واضح تماماً، أما استعادتهما لدونكيشوت ودولتينيا فيبدو أمراً مستحباً، من خلال مسرح العرائس الذي يتم إدخاله بشكل لطيف للتعليق على بعض الأحداث والنقاش على لسان شخصيات افتراضية، بينما يعمل الممثل «مصطفى المصطفى» على أداء دور«تيسير الكبريتي» الذي يجتهد فيه وهو الشخصية الراديكالية المتخلفة، التي كان من الضروري ألا يتعاطف المشاهد معها بل أن ينفر منها كما أراد الكاتب والمخرج، بينما يبدو خضوع شخصية سوزان للممثلة «مرام علي» يكمل فقط أهمية تجريم الشخصية الراديكالية فلا تبدو سوى انعكاس مشوه لصورة المرأة في وجه تيسير الكبريتي الإسلاموي المتخلف، ولكن حذف الكبريتي يجعل من امرأته غير موجودة، أما شخصية المغنية رولا «سوزانا الوز» بدت مساحة الدور صغيرة، وقدرة الفنانة على الاشتغال عليها ضعيفة لتظهر بشكل ممل وغير جذاب وأكثر من نصف جملها متكآت لفظية.