العتالون وأميركا
| حسن م. يوسف
لو عثرت على مئة ليرة كلما قرأت تصريحاً لأحد (الزعماء) والمستزعمين و(القادة ) والمستقودين في هذه المنطقة من العالم عن خذلان أميركا لهم لكنت في عداد الأغنياء! والحق أن موشحات الخذلان ليست جديدة في دنيانا، كما لو أن كولومبوس لم يكتشف أميركا إلا كي يصيح هذا وذاك: «خذلتنا أميركا».
تقول قواميس اللغة إن الخاذِل هو ضد الناصر. وخَذَل الرجل صاحبه خِذْلاناً: تخلَّى عن نُصْرته وعَوْنه. والتَّخْذيل هو حَمْلُ الرجل على خِذْلان صاحبه وتَثْبِيطُه عن نصْرته.
بدأت الدندنة بموشحات الخذلان، في منطقتنا، منذ زمن بعيد. فقد دندن العرب موشح الخذلان في الربع الأول من القرن الماضي لأن الرئيس الأميركي توماس وودرو ويلسون الذي أعلن إبان الحرب الكونية الأولى أربعة عشر بنداً للسلم على رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها، تراجع واعترف بحق بريطانيا في الانتداب على مصر وفلسطين والعراق كما اعترف ضمناً بانتداب فرنسا على سورية ولبنان.
وتعالت دندنة موشح الخذلان عندما تعمدت إدارة الرئيس هاري ترومان أن تكون أول وأسرع دولة تعترف بالكيان الصهيوني.
ولم تتوقف دندنة موشحات الخذلان في منطقتنا يوماً فعندما رتبت أميركا الاتفاق بين شاه إيران وصدام حسين في الجزائر عام 1975، وتركت الأكراد مكشوفين تحت رحمة صدام، استنجد البرزاني الأب بأميركا صائحاً: «لماذا تخليتم عنا فنحن حلفاؤكم؟» فأجابه كيسنجر: «على الأكراد أن يعوا حقائق الحياة، إن أميركا دولة عظمى لها مصالحها وليست جمعية خيرية».
إلا أن موشحات الندب والخذلان انتشرت على كل الضفاف وتحولت مؤخراً إلى ممارسة يومية شديدة الانتشار، فقد أعلنت صحيفة الشرق القطرية في حزيران 2014 أن «الإدارة الأميركية قد خذلت حلفاءها في المنطقة».
وعندما قام تنظيم داعش الإرهابي بإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة عقب سقوط طائرته الحربية عام 2015، قال مستشار ولي عهد أبو ظبي، في تغريدة له على تويتر، «… إن أميركا خذلت الإمارات والأردن».
وقد قال نائب قائد تجمع الضباط الأحرار في الجيش السوري (الحر)! العميد حسام العواك: إن «الجانب الأميركي خذل الجيش السوري الحر والمعارضة»
وقبل فترة قرأت تصريحاً لشخص يقال إنه قائد فصيل من المعارضة السورية المعتدلة أو المعدلة وراثياً التي درّبتها أميركا، يدعى عمار الواوي قال فيه: «أميركا خذلتنا وأجبرتنا على التضرُّع للنصرة». وبما أن هذا الواوي قد تضرع للنصرة والتضرع عادة يكون لله، أجد أنه لابد لي من الإشارة إلى أن هذا الواوي هو واوي آخر ولا علاقة له، من قريب ولا من بعيد، ببطل قصتي «مغامرات الواوي».
حتى التيجاني سيسي، رئيس سلطة دارفور الذي صنعت أميركا سلطته أعلن مؤخراً: «أميركا خذلتنا»! أما الحاج مثلث التحولات ميشيل كيلو فقد نشر مقالاً في الحادي عشر من تموز ٢٠١٦ عنوانه: « صديقتنا أميركا ضحكت علينا!» وقد أضحكني وصفه لأميركا بالصديقة وهو الذي يحمل على ظهره أرشيفاً لا تأكله النيران من الكتابات المعادية لأميركا!
المضحك أكثر هو أن الحاج ميشيل رغم إقراره بأن الأميركان قد ضحكوا عليه قام بالحج إلى أميركا في الشهر العاشر من العام الماضي ولم يبق له كي يطوب قديساً للمطبعين كامل كل البركات، إلا أن يحج إلى تل أبيب؟
مساكين هؤلاء يظنون أنفسهم شركاء لأميركا وهم مجرد عتالين عندها، ينتهي التزامها معهم بمجرد أن تنتهي خدماتهم ويتقاضوا أجورهم!
ختاماً، أقترح وأتمنى أن يقوم (الفنان الظاهرة) شعبان عبد الرحيم بتناول «موشحات الخذلان» هذه، في أغنية له يكون مطلعها: «خذلتنا أميركا… وإيييييه!».