وهل سورية كفرنسا؟ الجمهورية السورية السادسة 2012 … الأنموذج النظري في البلدين هو النظام شبه الرئاسي… لكنه يختلف حسب مكونات المجتمع
| سوسن صيداوي
«أما دمشق فلعلها، بشكل أو بآخر، قلب العالم النابض وليس العروبة فحسب». عبارة وردت في تقديم كتاب قامت بتأليفه دينا دخل الله، الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وجاء بعنوان: (وهل سورية كفرنسا؟ الجمهورية السورية السادسة 2012… بحث سوسيوبوليتيك في الحيوية السياسية عند السوريين)، ومنه تنطلق المؤلفة التي استهواها تاريخ سورية الحديث منذ بداية القرن العشرين، محاولة إيجاد مكامن الشبه بين أم الحركة السياسية في أوروبا بداية العصر الحديث- فرنسا، وأم الحيوية السياسية في الشرق الأوسط-سورية.
وبالطبع الشبه بين البلدين كان أذهلها، ومنه انطلقت بأفكارها التي تضمنها محتوى هذا الكتاب، مستعرضة أحداثا تاريخية وأشكالاً لأنظمة سياسية كان جربها كلا الشعبين-الفرنسي والسوري-فجربته سورية خلال الاحتلال(الانتداب)الفرنسي، وجربته فرنسا خلال الاحتلال الألماني. وسلطت الكاتبة الضوء على فكرة الثورات التي شهدت-الثورة الفرنسية-عصوراً من الانقلابات ومن إعادة الحكم إلى الـبوربين في«عصر الإعادة»، وكذلك الثورة السورية، الثورات التي شهدت تقدماً ثم تراجعاً ثم انقلاباً تماماً كما كانت الثورة الفرنسية «تأكل أبناءها».
موضحة كيف وصل الشعبان، أخيراً، إلى النظام شبه الرئاسي: فرنسا مع شارل ديغول عام 1958 وسورية مع بشار الأسد عام 2012. وبأن الديمقراطية ولدت في البلدين من رحم المعاناة، ومن نضج التجربة أيضاً. أفكار كثيرة ومقارنات جمعتها صفحات الكتاب الواقعة بـ288 صفحة، في تسعة فصول.
رؤية الكتاب
شرحت الكاتبة دينا دخل اللـه أن همها الأول في هذا البحث، هو محاولة النفاذ إلى جوهر النظام السياسي، وإلى فقه النصوص الدستورية وروحها، وما هو أهم من ذلك إلى البيئة الاجتماعية التي تطبق فيها النصوص، محيدة- وهو أمر صعب- كل من موقفها وعواطفها جانبا، بما يقتضيه التحليل العلمي. مشيرة إلى أن المقارنة المطروحة بين سورية وفرنسا هي مقارنة جغرافية- بمعنى مقارنة نظام سياسي أكثر تجربة-والمقارنة كذلك زمنية (أي تاريخية)، بمعنى مقارنة النظام السياسي الحالي في بلد ما مع ما سبقه من أنظمة في البلد نفسه، عبر دراسة المؤلفة للتحولات السياسية في هذا البلد. وتقول في تقديمها: سأحاول فيما يأتي من فصول شرح عمليات التحول السياسي الدينامي في المجتمع السوري، مع التركيز على غنى هذا التحول والتجربة الدستورية والسياسية الحافلة التي خاضها الشعب السوري منذ الاستقلال «الاستقلال الأول1918» مروراً بالاستقلال الثاني(1946) وصولاً إلى الدستور الجديد(2012) الذي اقترب بالنظام السياسي السوري في جمهوريته السادسة من تطبيق المعايير الديمقراطية المعاصرة وفق أنموذج(النظام شبه الرئاسي).
الهدف من الدراسة
تقول المؤلفة إن ما يهمها ليس بحث النظام السياسي الخالص وفق النظرية والتصور المسبق، وإنما دمجه مع السوسيولوجيا في إطار السوسيوبولتيك، وذلك لسبب واحد هو أن الأنماط قد تتفق في أنموذجها الخالص بين مجتمعين، لكنها تختلف في أدائها وفقا لاختلاف الظروف بين هذين المجتمعين. وتتابع «إنّ هذه الحقيقة تفرض على علم السوسيولوجيا السياسية تجنب النمطية والشكلانية وعدم استخدام المعايير الخالصة لقياس الحالات المحددة للأنظمة السياسية… وفقاً لهذا التحليل ينبغي على العلم الاعتراف باختلاف البيئات والظروف ودرجة النمو والمعطيات الثقافية والتاريخية والجغرافيا التي تترك أثراً تعديلياً مهماً على النمط الخالص، هذا هو هدفي من الدراسة. إن الأنموذج النظري الخالص واحد في فرنسا وسورية، وهو أنموذج النظام شبه الرئاسي، لكن هذا الأنموذج يتلون في سورية عند التطبيق بألوان تختلف عن ألوانه في فرنسا بسبب الاختلافات الموضوعية في مكونات الوجود المجتمعي هنا وهناك».
في الثورة
توقفت المؤلفة دخل اللـه في بحثها عند مفهوم الثورة في البلدين وما ينتج عنه من إشكاليات فكرية واقعية. موضحة أن مفهوم الثورة-كما هو واضح من تجربة فرنسا وسورية-لا ينتهي عند استلام السلطة بل تبدأ بذلك مرحلة تحول طويلة لا تتحقق ثوريتها إلا عند الوصول إلى الديمقراطية. وتتابع «المشكلة أن الثوريين يعتقدون أن الثورة تتم عند استلامهم للسلطة ويعتبرون ذلك فجراً جديداً. لكن التجربة التاريخية لا تؤكد ذلك. هذا الفجر الجديد هو فجر في مشاعر الثوريين فقط وليس في الواقع. إن استلام هياكل السلطة هو مجرد نقطة مفصلية تفتح مراحل تصعيد سياسي واجتماعي تراكمي. لكن الثورة بحاجة إلى فترة طويلة من التراكم المتصاعد في مكونات الواقع المجتمعي. إن استلام السلطة ليس ثورة. إنه مجرد حدث يلغي سلطة الارستقراطية لكنه لا يلغي ارستقراطية السلطة كما يقول فورييه. ليس المهم ما يعتقده الثوار وإنما تحولات الواقع الحقيقية. وهناك مسافة شاسعة بين رغبة الثوار واعتقادهم من جهة، وحصيلة فعلهم الحقيقية على الأرض من جهة أخرى. إن مشروعية الحدث الانقلابي-الثوري-عبر استلام السلطة هو، فقط، في أنه يفتح الباب أمام عملية تحول باتجاه الأفق الديمقراطي الذي لا يصله المجتمع إلا بعد عشرات السنين».
ما يميز سورية وفرنسا في نظامهما
في هذا الجانب قدمت الباحثة في كتابها ما يميز التاريخ السياسي لسورية وفرنسا عن غيرهما من الدول وفقا للمنهج المقارن. وتقول”لقد شهدت سورية جميع أنواع الأنظمة السياسية التي عرفها التاريخ الدولي المعاصر، الملكية المطلقة والملكية الدستورية وحكومات الانتداب والديكتاتوريات العسكرية والنظام البرلماني والرئاسي وشبه الرئاسي ونظام الديمقراطية الشعبية بقسميه (الشرعية الثورية-و الثورية الدستورية).. فرنسا أيضاً جربت أنماطا متعددة للأنظمة السياسية بدءا بالجمهورية الأولى وصولا إلى الخامسة والنظامين البرلماني وشبه الرئاسي وليس انتهاء بديكتاتورية نابليون بونابرت (تقابله بعد مئة وخمسين عاماً الديكتاتوريات العسكرية في سورية). بل إن فرنسا عاشت مثل سورية تجربة الحكومات تحت سلطة الاحتلال، والمقصود هنا حكومة فيشي أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، ومن المدهش أن فرنسا عاشت أيضا -كسورية- تجربة الشرعية الثورية (أو الديمقراطية الشعبية) إبان «كومونة باريس» التي لم تدم سوى (72) يوماً عام (1871)».
وتضيف: إن هناك فوارق موضوعية بين الحالة الفرنسية والحالة السورية، وهي فوارق تتلخص في مستوى التطور، والموقع الجغرافي، والجيوسياسي، والثقافة، والوضع الدولي (فرنسا مستعمِرة بكسر الميم أما سورية فبفتح الميم)، إلا أن الحالتين متشابهتان في المستوى العالي لدينامية التحولات السياسية.
مقارنات وتعديلات ممكنة
هنا وتحت العنوان أعلاه أثارت الباحثة دينا دخل اللـه العديد من النقاط، مشيرة إلى أن هناك العديد من القضايا التي تثار مع الولوج السوري إلى عالم الديمقراطية، وأن هناك العديد من التحركات السياسية الحالية والمستقبلية سوف تضيف تعديلات على الدستور، وسوف تعمل على ملاءمة القوانين لطروحات الدستور، متطرقة إلى مقارنة في النظام شبه الرئاسي السائد الآن في البلدين، في فرنسا مع شارل ديغول/1958/ وفي سورية مع بشار الأسد عام/2012/ حيث تقول: «إن النصوص في الدستورين الفرنسي والسوري متشابهة استنادا إلى مبادئ النظام شبه الرئاسي.
هناك فوارق في الأحكام لكن المبادئ البنيوية في الدستورين واحدة.. يستثنى من ذلك مبدأ أساسي لم يشر إليه الدستور السوري وهو مبدأ العلمانية الذي نص عليه الدستور الفرنسي صراحة. بل إن الدستور السوري انتهك هذا المبدأ بشكل واضح في مادته الثالثة التي تفرض على رئيس الجمهورية أن يكون مسلما وترى أن الشرع الإسلامي مصدر رئيس للتشريع». خاتمة بأنه قد يتفهم بعض الناس ارتباطات سورية بالثقافة الإسلامية واعتبار المبدأ الثالث ضمن فقه الضرورة. ويؤكد آخرون أن هذا المبرر غير مقبول لأن مبدأ المساواة بين المواطنين من أهم مبادئ الديمقراطية.