لم يعد يخفى على أحد أن اسمي جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، أصبحا موازيين لخطة «صفقة القرن»، فالأول مستشار للرئيس الأميركي في الشرق الأوسط والثاني المبعوث الأميركي باسم البيت الأبيض، وكلاهما يعد أهم من يضع مشروع «صفقة القرن» الأميركية التي أعدها الرئيس دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو على مسار التنفيذ لدى بعض الحكام العرب المكلفين بالمشاركة في تنفيذها.
والاثنان، كوشنير وغرينبلات، سيقومان بزيارة للدول النفطية العربية وفي مقدمها السعودية تحت عنوان «تحقيق التطور الاقتصادي للفلسطينيين»، وهذا يدل على أن رؤية وتوجه واشنطن للقضية الفلسطينية يستندان إلى أن قضية فلسطين هي مجرد مسألة «تنمية اقتصادية»، أي رشوة مالية يريد كوشنير أن يدفعها حكام الدول النفطية للفلسطينيين كمرحلة أولى نحو تنفيذ بقية مراحل «صفقة القرن» التي تهدف بموجب ما تسرب منها إلى تأسيس دولة فلسطينية في قطاع غزة فقط وليس في الضفة الغربية والقطاع بحسب «حل الدولتين»!
القناة الإسرائيلية 13، أشارت في السادس من شباط الجاري إلى أن كوشنير سيعرض الخطوط العامة لـ«صفقة القرن» أثناء زيارته لعدد من الحكام، وسيتطرق إليها بشكل علني في مؤتمر وارسو الذي أعدته واشنطن لحل النزاع في الشرق الأوسط بمشاركة دول كثيرة وبمشاركة نتنياهو في 13 و14 من شهر شباط الجاري، والذي سيجمعه مع كوشنير وغرينبلات ثم يتولى الاثنان نقل خطة ومراحل «صفقة القرن» إلى دول النفط العربية الست.
السؤال الذي يفرض نفسه في ظل هذا المخطط الأميركي الإسرائيلي لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والشرعية، هل سيتمكن ترامب ونتنياهو من فرض شروطهما لتنفيذ هذه الصفقة؟
يبدو أن الاثنين يريدان حرق المراحل التي يتطلبها تنفيذ هذه الصفقة وبالسرعة القصوى لأن نتنياهو والأوساط الصهيونية المتنفذة في الولايات المتحدة تخشى من أن يتعرض، ترامب لاستجواب واتهام فتتعرض صلاحيته لخطر قد يؤدي إلى تجميد أو عرقلة قراراته في السياسة الخارجية تحديداً بعد أن لاحظ الجميع أنه تراجع مرتين عن قراره المعلن بسحب القوات الأميركية من سورية بضغط من وزارة الدفاع الأميركية ومشاريع الكونغرس.
وبرغم أن أحداً لا يعارض سياسة ترامب تجاه إسرائيل، إلا أن أي ضعف يصيب ترامب بسبب الاتهامات المتزايدة ضده بالتعاون مع موسكو واعترافات بعض مستشارين عملوا معه بما يعرضه للاستجواب وربما الإدانة، سيؤثر سلباً في دور رجال إدارته ومشاريع قراراته السياسية، وهذا ما تحسب له إسرائيل حسابات في هذه الظروف، فقد كان من المقرر ألا يجري دفع «صفقة القرن» إلى واجهة التنفيذ إلا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المقررة في نيسان المقبل بانتظار فوز نتنياهو بتشكيل الحكومة الجديدة، فما الذي جعل كوشنير يتجه نحو دول الخليج لتأمين المال المطلوب للمرحلة الأولى من خطة صفقة القرن؟
يبدو أن واشنطن وتل أبيب تحاولان الآن تحديد المبالغ المالية المطلوبة كنفقات لفرض هذه الصفقة وإيداعها في الخزانة الأميركية لكي تتولى واشنطن بنفسها توجيه هذه الأموال نحو «تحقيق التقدم الاقتصادي للفلسطينيين»، كما جاء في جدول عمل كوشنير وغرينبلات عند الإعلان عن زيارتهما إلى دول الخليج وفي مؤتمر وارسو.
أمام هذه المرحلة يلاحظ الجميع أن جميع القيادات الفلسطينية في السلطة وفي قطاع غزة كانت وما زالت تعلن عن رفضها لـ«صفقة القرن» وما تهدف إليه وهو العامل المعرقل الأول، أما العامل الآخر الذي يحسم بشكل قاطع أي إمكانية لنجاح هذه الخطة فهو الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن لأي فرد فيه الموافقة على شق الشعب الفلسطيني بين ضفة وقطاع ولاجئين في الشتات، وخصوصاً أن حق العودة هو القاعدة الثابتة التي تجمع أيضاً الفلسطينيين أينما كانوا، وأن «صفقة القرن» تهدف إلى تمزيق الشعب الفلسطيني بين كيان سياسي أو دويلة في قطاع غزة، وبين حكم ذاتي في الضفة الغربية التي ستتحول إلى أرض منفصلة عن بقية الأراضي في قطاع غزة، وإضافة إلى ذلك فإنه ما دامت هذه الصفقة تهدف إلى التنكر لحق العودة، فهي ستواجه الهزيمة والفشل مهما أعد لها من المال والضغوط، فقضية قرن من الظلم لن تمحوها صفقة أعدها المغتصبون لفلسطين من تل أبيب إلى واشنطن.