حقيقة واحدة يجدد تأكيدها فوز بنيامين نتنياهو في انتخابات الكنيست التي جرت في التاسع من نيسان الحالي، وهي أن «المجتمع الإسرائيلي»، ونقول هذا المصطلح مجازاً، هو مجتمع حرب لا مجتمع سلام، ومنشأ تربيته وعقيدته القتل والذبح والعدوان.
الحق أن فوز هذا الموغل في التطرف في هذه الانتخابات واستمراره في الحكم منذ آذار عام 2009 وما حصل خلال هذه السنوات من «إنجازات» تخدم الكيان الإسرائيلي من استمرار الاعتداءات الوحشية على غزة إلى مسلسل الاعتقالات المتواتر والمستمر في الضفة الغربية إلى تضاعف وتسرطن عمليات الاستيطان في مجمل الأراضي المحتلة مروراً بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان، وقبلها وبعدها الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وانتهاء باعتراف ترامب بضم الجولان وتصفيق الإسرائيليين لكل ذلك وتأييدهم تأييداً مطلقاً، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة أن الإسرائيليين بمجملهم هواة قتل ومحترفو عدوان لا هواة أمن وهدوء وسلام، ومما يزيد هذه الحقيقة نصاعة وترسيخاً أن نتنياهو الذي يمثل قمة التطرف قد فاز في دورة انتخابية من قبل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي حين كانت تلوح في الأفق بشائر السلام، أو كادت أن تلوح، وذلك بعد الإقرار بوثيقة رابين فيما يتصل باعترافه بالتخلي عن الجولان.
لقد اغتال فرد واحد من الإسرائيليين رابين حين كان يتجه نحو السلام ولكن هذا الفرد أكدت كل الحقائق أنه يمثل معظم الإسرائيليين، وأنموذجاً عن كل واحد من أغلبهم وإلا ما معنى أن يتم الاغتيال حين كادت تنجز صفقة السلام؟ وما معنى أن يتقدم إلى الواجهة ويستلم رئاسة الحكومة الإسرائيلية الأكثر تشدداً وتطرفاً وكراهية للسلام؟
إن حصول نتنياهو على أغلبية الأصوات في هذه الانتخابات يعني الحقيقة الوحيدة التي ذكرناها، ذلك أنه اتخذ شعاراً لحملته الانتخابية بعد أن تحققت كل الإنجازات عزمه ضم الضفة الغربية ليقضي نهائياً على أية بارقة أمل أو فرصة يمكن أن تلوح مستقبلاً للسلام إذا ما شهدت الساحة العالمية ولاسيما الأميركية والعربية لهذا السبب أو لذاك، رغبة حقيقية وعملاً جاداً لإقامة وتحقيق هذا السلام.
صحيح أن التاريخ سجل ويسجل أن «المجتمع» الإسرائيلي الذي تجمع في فلسطين المحتلة، مكوناً من شراذم بشرية أتت من كل بقاع المعمورة لا يجمعها سوى رابط واحد هو ما شربته من تعاليمها التلمودية من أن قتل العرب واحتلال ديارهم وأراضيهم يحقق مرضاة الرب، ولكن الصحيح أيضاً أنه لولا هذا العهر السياسي العربي ولاسيما الخليجي منه، لما كانت تحققت للصهاينة أحلامهم في التوسع والعدوان، ذلك أن الفعل الخليجي الذي يمثل الخيانة العظمى للقضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، وفر المناخ المناسب والتربة الملائمة لتنمو كل مشاريع الصهاينة وتتحقق الكثير من أحلامهم.
إن مقولة إن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عدواني لا مجتمع سلام، مقولة قديمة معروفة وهي تجدد نفسها الآن، ولكن كيف سيكون العقل الإسرائيلي يا ترى وما قيمة تفكيره في التطرف والتمدد والاستيلاء إذا استغنى الخليجيون عن خفتهم وعرفوا كيف يديرون إمكاناتهم المادية والنفطية التي تفوق إمكانيات اللوبي الصهيوني في العالم عامة وفي الولايات المتحدة خاصة، والتي تكفل في حال تسخيرها لمصلحة القضايا العربية بأن ترغم واشنطن للانصياع صاغرة لمنطق الحق والعدل ومنطق الشرعية الدولية التي اغتالها دونالد ترامب بفعل الخيانة العربية أولاً وقبل كل شيء لأنها هي التي ساعدت الأخير لأن يجسد نزعته الصهيونية ويعلنها على الملأ من دون حياء أو خجل، وهي بدورها حققت لإسرائيل كل ما تحقق ورسخت في العقل الإسرائيلي الأحلام التوراتية؟
صدق من قال: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.