في آذار الماضي ألقى رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي كلمة أمام عدد من الضباط المختصين بالأبحاث العسكرية وطلب منهم إعداد خطة عسكرية تجيب عن سؤال: لماذا لم تتمكن إسرائيل من تحقيق الانتصار الحاسم على الجيوش التي حاربت ضدها؟
وأضاف: إن هذه الخطة يجب أن تشكل الحل العسكري الذي يحقق هذه الغاية وسيعرضها بعد الانتخابات التي كانت مقررة في 9 نيسان 2019 للكنيست على رئيس الحكومة ومجلس الوزراء المصغر لشؤون الأمن الذي سيشكل الحكومة الجديدة.
وبعد عجز رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تشكيل الحكومة بعد تلك الانتخابات تقرر إعادة الانتخابات وتحدد موعدها في 17 أيلول المقبل ويبدو أن قيادة الجيش أعدت الخطة التي تحدثت عنها صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 14 حزيران الجاري تحت عنوان: خطة كوخافي لحسم الحرب.
جاء في الصحيفة: إن رئيس الأركان عرض في الأسبوع الماضي على القيادة العليا خطته التي يريد تطبيقها على الجيش الإسرائيلي ضمن مشروع خطة السنوات المقبلة، ورأى كوخافي في أنه يجب إبادة 50 بالمئة على الأقل من قوات الجيش المراد هزيمته وأن تحقيق ذلك يتطلب زيادة تسليح الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة التي تبدأ من الرجل الآلي إلى استخدام اللايزر الهجومي.
كما يرى كوخافي أن التدخل السياسي للقيادة في الحكومة الإسرائيلية أثناء شن الحروب غالباً ما يؤثر في ظروف حسم الحرب النهائي ويدعو القيادة السياسية إلى توضيح مدى الأهداف وعدم تعديلها بشكل يجعلها محدودة أو وسطية، وأشار إلى أنه وضع إدارة خاصة لجمع الأهداف المطلوب ضربها وتجهيزها حسب الأولويات والسرعة في التنفيذ أثناء أي حرب مقبلة.
يعقب بعض المحللين الإسرائيليين على العناوين المعلنة لهذه الخطة بأن كوخافي ربما ينسى أن قيادة الجيش الإسرائيلي تواجه معضلة مع قطاع صغير في غزة ولم تستطع حسم المعارك مع الذين يقاومون فيه منذ عام 2005 كما لم تستطع إيقاف تزايد عدد ونوعية صواريخه رغم أنه محاصر من الجوانب كافة، فهل تعني خطته أن يقوم الجيش بإبادة 50 بالمئة من المدنيين ورجال حرب العصابات وليس جيشاً نظامياً؟ ويتساءل آخر: وماذا عن جبهة الشمال التي تعد أقوى في جنوب لبنان من قطاع غزة بعشرات الأضعاف سواء في كمية الصواريخ أم نوعيتها أو في الخبرات القتالية التي اكتسبها المقاتلون في المقاومة اللبنانية أثناء مجابهتهم للقوات الإسرائيلية منذ الثمانينيات حتى هزيمة حرب تموز 2006 التي يطلق عليها الجيش الإسرائيلي الحرب الثانية في لبنان؟
«معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط» نشر في آب 2018 دراسة لأحد ضباط الأبحاث الإسرائيليين وهو ناداف بن حور جاء فيها: إن أي خطة تضعها إسرائيل لحرب ضد جبهة الشمال ستواجه تحديات غير مسبوقة بسبب عدد اللاعبين في هذه الجهة، فهناك جيش نظامي سوري، وهناك مقاتلون من اللاعبين في غير الدول مثل حزب الله ومقاتلون آخرون في سورية وهذه ستتطلب أقساماً متعددة داخل الخطة، وأضاف: إن الزمن لا يعمل في مصلحة إسرائيل لأن حرباً يمكن أن تقع عام 2019 ستكون أسهل نسبياً من حرب تقع في عام 2025.
وفي واقع الأمر تجد إسرائيل نفسها أمام عجز في تحديد ما يمكن أن تتوقعه من جبهات الحرب المختلفة التي تحيط بها وخاصة حين تحارب على جبهة في جنوب لبنان وجبهة من حدود الجولان وأخرى في قطاع غزة وأخرى في الضفة الغربية.
وإذا كانت إسرائيل تحاصر من حدودها هذه الجبهات فإن هذه الجبهات نفسها تحاصرها في الوقت نفسه وتفرض عليها استحقاقات لا تستطيع التكهن بها بشكل دقيق وحاسم ودعوة كوخافي إلى ضرورة إبادة 50 بالمئة من القوى المستهدفة، تصبح مجرد محاولة لزيادة قدرة الردع الإسرائيلي لأن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً عوزي دايان كان قد اعترف بأن كل زيادة في القدرة العسكرية لحزب الله أو الجيش السوري تتسبب بتآكل قدرة الردع، لأن هذه القدرة على الردع لم تمنع زيادة القوة العسكرية لهذه الأطراف، فإسرائيل عاجزة حتى الآن عن إيقاف تزايد هذه القدرات رغم زيادة قدراتها الإسرائيلية، فالسباق مستمر، ولن تستطيع إسرائيل إيقاف عجلته في جهة الشمال.