الصراع على سورية والأبعاد الجيوسياسية … الخلفيات التي سبقت الحرب والأدوات المستخدمة والإستراتيجيات الأميركية
| سوسن صيداوي
«سورية تقع في قلب كل التحديات، دولة صغيرة ولكنها محورية وفاعلة وإستراتيجية في تحديد هوية المستقبل»، هذه الجملة جاءت في كلمة مدير دار الرضا للنشر الدكتور هاني الخوري في كتاب «الصراع على سورية والأبعاد الجيوسياسية… الخفايا- الأدوات- الاتجاهات السياسية»، لمؤلفه عبد اللـه أحمد، عبد الله أحمد يكشف فيه مشاريع وأفكار مراكز الأبحاث العاملة على تعزيز الصراع في سورية، في مشهدية مؤطرة صحيحاً، وبعيداً عن العواطف والتجاوزات مع الدخول في تفاصيل الأزمة السورية التي أصبحت حلولها تحصيل حاصل للإرادة الدولية، وراصداً بتحليلاته العميقة التحديات الجيوسياسية بخبرة وحيادية، مقدماً مرجعاً فكرياً لكل سوري وطني مهما كان انتماؤه أو موقفه السياسي أو رؤيته للأزمة السورية. كتاب «الصراع على سورية والأبعاد الجيوسياسية» من القطع الوسط يجمع في صفحاته المئتين -تقريباً- مقدمة، بداية، وثلاثة فصول.
في المقدمة
يلقي الكتاب الضوء على دور الدول الإقليمية وبالأخص الدور الهدّام لتركيا، والدول الكبرى في الحرب على سورية، والتغيرات الجيوسياسية الناتجة عن صمود الدولة السورية، والذي أسس للتدخل الروسي في أيلول 2015 إلى جانب الحكومة السورية في محاربة الإرهاب المدعوم أميركياً، وضمن تسلسل من الأحداث اختار المؤلف عبد اللـه أحمد بدايتها من نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت الولايات المتحدة الأميركية تخطط لمشروع الشرق الأوسط الكبير منذ بداية عام1990، من أجل الهيمنة على المنطقة والعالم، ويتابع المؤلف التسلسل مع الأحداث متوقفاً عند كل حدث زلزل الدول العربية عبر ربيع عربي يفترض تسميته بالخريف، بدءاً من الغزو العسكري للعراق في عدوان أقدمت عليه كل من بريطانيا وأميركا، بعد قرار أميركي لتغيير الواقع الجيوسياسي العالمي لتأسيس واقع جديد في 20 آذار عام 2003، كالواقع الذي تم ترسيخه مع نهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على النازية عام 1945.
في البداية
ما نشهده في سورية الآن أعنف وأخطر مما خُطط له، فلهذه الحرب المركبة أهداف أبعد من سورية، والحقبة الحالية تشير إلى أننا أمام تحولات مفصلية قد تؤدي إلى تغيّر شكل وموازين القوى العالمية، إلا أنه -والكلام للمؤلف- ليس من الواضح بعد الأبعاد الحقيقية لتلك التغيرات المتوقعة أو الاستنتاجات، لأن ذلك يعتمد إلى حدّ بعيد على أداء القوى الفاعلة وعلى التموضوعات الإقليمية والدولية لمصلحة هذه القوى أو تلك.
الأزمة السورية قد فتحت الباب للمواجهة الإستراتيجية بين القوى العظمى والإقليمية، وما زال الصراع مستمراً، وتعكس تعقيدات الوصول إلى تسوية سياسية حدّة هذا الصراع، حيث أخفق مسار جنيف وتعثر مسار أستانة، رغم نجاح المرحلة الأولى من اتفاقيات خفض التصعيد، وذلك بسبب عرقلة الولايات المتحدة للحل السياسي.
في الفصل الأول
من بين العناوين التي تضمنها هذا الفصل نقف عند عنوان: «سورية في عين العاصفة»، وفيه بين المؤلف كيف فوجئت أجهزة الاستخبارات الغربية بأن يصطدم مشروعها في سورية بتحديات وأحداث ترتد عليها وتغيّر مسار الأحداث في الشرق والعالم مُحدثة انقلاباً جيوإستراتيجياً، وفي السرد يوضح عبد اللـه أحمد كيف بدأت الأحداث في سورية لتبدو امتداداً طبيعياً لأحداث الربيع العربي وتوق الشعوب العربية إلى الديمقراطية والعدالة ورفض الديكتاتورية، كما تجدر الإشارة إلى أنه ذُكر أيضاً مشروع المدعوة «Dona» (دونتيلا دونا)، حيث قامت بدراسة للدراما السورية في السنوات السابقة للأزمة السورية واخترقت الفنانين ووزارة الإعلام، بحجة هذه الدراسة وكان التركيز على بعض المسلسلات ومن أهمهما (باب الحارة) الذي أصبحت الأجزاء الأخيرة منه سيناريوهات لما سوف يحدث في المستقبل.
لم تنجح الخطة الأميركية في سورية كما حدث في تونس ومصر وليبيا، ما دفع الولايات المتحدة وحلفاءها للانتقال إلى استخدام المجموعات المسلحة الإرهابية، مثل داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرها من التنظيمات.
في الفصل الثاني
تم استهداف سورية وإيران ضمن المشروع الأميركي، إلا أن المشروع كان يشمل العمل على عدة جبهات منها الشرق الأوسط وأفغانستان، وفي آسيا الوسطى «قلب أوراسيا» كانت الخطوة الأولى هي الهيمنة على قرغيزستان ومن ثم التمدد في دول آسيا الوسطى وتقويض أي إمكانية للنفوذ الصيني والروسي في تلك المنطقة، وأشار المؤلف في هذا الفصل إلى الأدوات المستخدمة في الحرب على سورية، حيث اعتمدت الولايات المتحدة مجموعة من الوسائل الناعمة «المنظمات غير الحكومية والتمويل والعمليات السرية»، إضافة إلى القوة الذكية والصلبة من أجل تنفيذ هذا المشروع. ومن الأدوات تحالف التيارات الإسلامية الراديكالية واليمين المسيحي الغربي، كما توقف عند الدور السعودي القطري، مع الوقوف عند حزب العدالة والتنمية والدور التركي في الحرب، إضافة إلى الكثير مما تضمنه الفصل.
الفصل الثالث
في هذا الفصل وتحت عنوان: «الولايات المتحدة والحد من التداعيات» تم التركيز على الأبعاد الجيوسياسية للحرب ولمشروع الشرق الأوسط الكبير في المنطقة، وفي آسيا الوسطى حالة قرغيزستان وأوكرانيا» وأسباب استهداف سورية، إضافة إلى الأبعاد الجيوسياسية والتحديات المستقبلية، في رؤية شاملة لمستقبل سورية. ويضيف الباحث عبد اللـه أحمد: إن منظومة العالم الخفي خلف الحروب والويلات التي تصيب العالم، وما الحرب على سورية وأوكرانيا والعراق إلا تجليات لحقيقة محاولة السيطرة على العالم وثرواته. كما أن انتصار الجيش العربي السوري في حمص والقلمون أدى إلى انهيار مشروع التقسيم في سورية وانهيار أدواته في مصر «مرسي وتنظيم الإخوان»، متابعاً: إن أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد لم يقروا بالهزيمة، وتجلى ذلك عبر الإيعاز إلى داعش الإرهابي بالتحرك في سورية والعراق بشكل عنيف، وقد عبّر وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر صراحة في 13 أيار 2013 بأن تقسيم سورية ما زال هو الهدف، «تقسيم سورية هو أفضل نتيجة ممكنة، وقد مولت واشنطن التكفيريين والإرهابيين في سورية بالسلاح والتدريب والمال، وبنت التحالفات والخطط ومارست إضافة إلى ذلك الحرب الإعلامية والاقتصادية والسياسية وحرب السايبر على سورية».
وأخيراً نختم هنا بكلام المؤلف: «الولايات المتحدة تبذل الجهود من خلال شن العدوان في ثلاث حملات متعددة الأوجه. إنها تستهدف روسيا وإيران والصين من خلال زعزعة الاستقرار في أوكرانيا وسورية، وجنوب وشرق بحر الصين أي الحروب بالوكالة للولايات المتحدة ضد سورية والصين».