تعجبني كثيراً العبارة التي تقول: «القائِد هو تاجرُ الأمل»، فالقائد الذي يحدّث شعبهُ بما لا يستطيع تحقيقهُ، أو عندما يكون شعارهُ منفصلاً عن قاعدته الشعبية يصبح أقرب للتاجر، وبصورةٍ أعمّ تصبح عبارة «القائد هو صانع الأمل» عندما تنبثق الشعارات والتطلعات من القاعدة الشعبية، على هذا الأساس وعندما أقرأ شعارَ حملتكَ الانتخابية يرتكز على مفهوم ربط الأمل بالعمل، أبدو عشيةَ الانتخابات بحاجةٍ لأحدثك:
هل لي أن أُحدثكَ حديث الفقراءِ والمستضعفين؟
هؤلاء الذينَ كانوا ولا يزالون يرونَ بك «غفوةَ الموجوع»، خافقاً بين الضلوع وتلك النيران التي تحرقُ الشمع في محرابِ الثالوثِ فتحيل نوره إلى عُنوٍّ وخشوع. تباً للفقر، لكن ما أجملَ الفقراء عندما يقدِّمون انتماءهم على خبزهم، عندما يقاومون بلحومِ بطونهم لا لحوم الموائدِ المرصعة بذلِّ التبعية. ما أجملهم عندما يتفيؤون بظلِّ صورتكَ التي لا يمتلكون ثمنَ إهدائكَ إياها، ومن قال أساساً إن من يرفع شعارَ الأمل بالعمل يكترث لصورة!
هؤلاء لا يغويهم الكسل بانتظارِ أن يتحقَ الأمل لأنهم ببساطةٍ صُنَّاعه، بل إن الأمل يحلّق بجوانحِ صبرهم، فلولا الأملَ في الغد لما عاشَ مظلومٌ حتى اليوم. قد نخجل من أن نُحدثهم عن العمل لأنهم ببساطةٍ يحملونَ مطارقَ يكسرونَ فيها سهاماً قد تنالُ من عزةِ نفسهم، ومعاولَ الشرف التي ستنتجُ سبعَ سنبلاتِ خيرٍ، وهل من خيرٍ أجملَ من حبةِ قمحٍ بصورةِ مكافح؟! حتى لو بدا بعض تعبِهم أشبهَ بالصراعِ مع الريح ومحاولة الإمساك بغيمةٍ ماطرة عساها تفيضُ بخيرِ عطائها، وهل هناك أكثر من الفقراء من يربط الأمل.. بالعمل؟!
هل لي أن أُحدثكَ حديثَ المغتربين والنازحين والمهجَّرين؟
قبلَ أيام قليلة كان هؤلاء أشبهَ بالعينِ التي تقاوم المخرز، كانوا الصوت عندما كُتمت الحناجِر، كانوا الوفاء عندما بات الانتماء أو بوحَ المواقفِ في زمنِ المارقين سلعة في سوق النخاسة، هل لي أن أُحدثكَ عن تلكَ الأخت التي تحملُ رضيعاً وتقفُ بالطابورٍ في انتظارِ دورها الذي قد يستغرق وصوله ساعات، لم تكترث، وقفت لكني إلى حدِّ الآن ماازلتُ أسأل نفسي:
بماذا كانت تفكر؟ أي إيمانٍ بكَ الذي أعطاها تلك القوة؟
لكن مهلاً دعونا قليلاً نعد إلى وصف «الطابور» ونتساءل:
لماذا صمتَ أدعياء الثقافة والفكر المتنور عن هذا «الطابور»، بينما كانوا يتحفوننا ليلَ نهارٍ بالحديثِ عن طوابير الحاجات الأساسية؟ كيف لي أن أُقنعهم بأن طوابير الحاجات الأساسية هي القاعدة التي استند إليها العدو ليمنع طوابير السفارات؟! لن أُتعب نفسي بأن أشرح لهم، هؤلاء خُلقوا ليزحفوا فلن يطيروا، لكني سأركز بأن أجعلَ كلماتي تطير لتلامسَ قلبَ كل وفيٍّ لبلدهِ.
هؤلاء حملوا بلدهم في قلوبهم، أرادوا ببساطةٍ أن يسكبوا نيرانَ نزوحٍ وغربةٍ مزقتهم في صندوقِ الأمنيات، فتستحيل أوراقهم صفعاتٍ لكل من راهنَ على مأساتهم، أو تبدلهم. تلكَ العين التي قاومت المخرز تركت شُذّاذ الآفاق في حيرةٍ يسألون أنفسهم:
كيف لتلك العين أن تقاومَ من يريد فقأها لأجلِ طبيب عيونٍ قاتلنا لإقناعهم بأن مِبضعهُ سببَ عماها؟! أرادوا ببساطةٍ أن يقولوا لشذّاذ الآفاق ولمن في قلوبهم وجل: اصمتوا، فالحقيقة إنه حجاب تلكَ العينِ الذي أحالها إلى أكثر من روحٍ بَعثت وطناً من جديد.
هل لي أن أُحدثكَ حديثَ أسرِ الشهداء؟
مَن مثلكَ؟ قادر على استخراجِ ابتسامةٍ من أم قال لها ابنها إنه سيعود يوماً بعدَ إنجاز مهمةِ الدفاعِ عن الأرض والعرض، ليستعيدَ أمنياته التي دفنها تحت جذع سنديانة، فدفنَتْهُ هو وأمنياته عندها، بقيت السنديانة تتغذى من أمنياتهِ لتصنعَ الأمل الذي استشهدَ لأجلهِ، وهل هناك أطهر من أمنياتِ الشهيد؟! هو كمَن يريدُ أن يخبرنا بأن وصيته لأهلهِ بأن ألقوا بأمنياتي تلك على وجهِ الوطن فيرتدُّ بصيراً، يرتدُّ سليماً، لكن إياكم أن تظلموا إخوتي حتى ولو ظلموني، وهل نحنُ أدرى بالذي استغفر لهم ربه؟! عندما تكون الشهادة بألمها وقداستها مربوطة بالاعتصامِ بحبلِ خياراتك عندها يصبح السؤال: أي مكانةٍ تلك التي حباكَ اللـه بها؟!
ختاماً، حاولتُ أن أختارَ من الختام حسنه، كنت قد عقدتُ العزمَ بأن يكون خيرَ الختام أن ألتمسَ منك السماح لكي أحدثك عن خيرِ من أختم بهِم كلامي، رجال الجيش العربي السوري ومن والاهُ بحق، لكني ببساطةٍ أعرفُ مقدارَ نفسي حتى تترحمَ علي الناس يوماً، من أنا أساساً لأتحدث باسمهم؟ هم مستعارون من الجنة، وأنا أناجي ربي أن يعاملني بمغفرةٍ لا بعدل، هم يرونَ النور في قلوبهم ومثلي مازال يحاولُ التقاطَ النور، ببساطةٍ هنا ليس لدي ما أقولهُ فأخشى أن تضيعَ كلماتي عند شجاعتهم.
هل رأيتَ لو أن فرعون هو من انتصر؟ هل رأيتَ لو أن خالداً لم يَستدِر وأن الغرابَ لم يعلِّم قابيل كيف يدفن خطأه الأول والأخير، كل هذا قابلٌ للتصديق لكن ما لن يكون قابلاً للتصديق بأن الأملَ بالحق والعملَ لإحقاقه يحتضر! ليسَ فقط لأنك من ترفع راية إحقاقهِ لكن لأن هناك من آمنَ معك.. فزادوا هدى، فطوبى للقابضين على الحق بميزان الهدى.
هل لي أن أُحدثك؟ ربما هذا ما أردت قولهُ عندما ينبثق الشعار من ألم الفقراء، وفاء النبلاء، حزن الثكالى وإصرار رجال عاهدوا فصدقوا، ليصبح التفكير بالمستقبل قابَ أيام لا أكثر.
هكذا سيكمل السوريون الوفاء بالوفاء ليصبح شعار الأمل بالعمل هو خارطةَ طريقٍ نثق بأنها ستتحقق، ليصبح تاجر الأمل صانعه والمدافع عنه، هي الثقة ذاتها التي تجعلنا نكرر عبارةَ أحبها كثيراً:
سورية آخر معاقل الحق لن تسقط حتى يرث اللـه الأرض ومن عليها.