يقر الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد الذي يعد من أهم الجنرالات الإسرائيليين في القيادة العسكرية المتخصصة بمواجهة المقاومة الفلسطينية في الداخل في تحليل نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 31 آذار الماضي بمشاركة المحلل السياسي ميخائيل ميلشتاين، بأن إسرائيل تسير نحو منحدر تجد نفسها فيه بين واحد من خيارين: إما أن تمنح الفلسطينيين الموجودين داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 حقوقا كاملة لإيقاف نقمتهم منها وإما مقاتلتهم.
ويرى أن هذه الحقيقة بدأت تظهر في أعقاب تصاعد عمليات المقاومة التي نفذها عدد من الفلسطينيين خلال أسبوع واحد في نهاية شهر آذار، وما سببته من حالة فزع داخل صفوف المستوطنين، ويكشف أن تصاعد موجة المقاومة تدل على عدد من الوقائع وهي:
1- إن الخطر من الفلسطينيين في الداخل لم يعد محصوراً بالضفة الغربية وقطاع غزة بل اتسع ليشمل الكيان الإسرائيلي كله.
2 – إن خطة إغراء الفلسطينيين «بسلام اقتصادي» لتهدئة مقاومتهم أو التخلص منها أثبتت عدم جدواها.
3- إن التركيز على تصعيد المقاومة في الضفة الغربية والقدس يجري بتنسيق وإدارة من قيادة الفصائل في قطاع غزة المسلحة بالصواريخ.
4- لم يؤد التطبيع مع بعض الدول العربية أي دور يؤثر على قدرة الفلسطينيين في المقاومة أو على دفعهم للهدوء.
ويبدو من هذه العوامل الأربعة أن كل المحاولات التي تقوم بها القيادة الإسرائيلية لإيهام المستوطنين بأن مستقبلهم في الأراضي المحتلة آمن بعد عمليات التطبيع، باءت بالفشل، لأن المقاومة الفلسطينية كانت تزداد نشاطاتها وأشكال عملياتها أثناء وفي أعقاب كل عملية تطبيع كانت تفرض من تل أبيب وواشنطن في السنوات الماضية بل جعلها ترتد عكسيا على الكيان الإسرائيلي بموجب اعتراف بعض المحللين السياسيين وربما هذا ما دفع الجنرال غيلعاد والمحلل السياسي ميلشتاين إلى الاعتراف في تحليلهما هذا بضيق الخيارات الإسرائيلية وعجزها.
كما يبدو أن هذا العجز هو الذي دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت إلى إطلاق تحذير ينذر بتزايد خطر المقاومة الفلسطينية على قوات الاحتلال وإلى إعلانه عن قرار يسمح فيه لكل المستوطنين المسلحين بحمل أسلحتهم في كل مكان يسيرون فيه حتى في داخل المدن والقرى لكي يردوا بنيرانهم مباشرة وفوراً على أي عملية مقاومة بحجة أن وصول قوات الاحتلال قد يتأخر للتعامل مع منفذي العمليات وطلب من كل راغب في حمل السلاح أن يحصل عليه.
في استعراض هذه الإجراءات نشرت مجلة «زمان يسرائي» العبرية بقلم تال شنايدير قبل أيام، تحليلا جاء فيه أن هذه الدعوة لا تعني سوى زيادة عدد المسلحين المدنيين داخل أراضي الضفة الغربية وبين شوارع المدن في داخل إسرائيل، وذكرت أن الكنيست، البرلمان، أعلن عن وجود 210 آلاف من قطع السلاح ذات الترخيص المدني بين أيدي المستوطنين وشركات الحراسة الخاصة بالمكاتب والمنشآت، وفي هذه الأوقات سيجري تسليم أسلحة لعشرات الآلاف الآخرين من المستوطنين المدنيين للتعويض عن النقص الحاد في القوى البشرية لقوات الاحتلال والناجم عن الانخفاض الحاد في هجرة اليهود والتزايد المستمر في الهجرة العكسية للخارج من دون عودة.
يتساءل أحد المحللين الإسرائيليين في إحدى المقابلات الإذاعية العبرية عما ستفعله إسرائيل لو انتهى وجود رجال الشرطة والأمن الوقائي الذين تديرهم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهل سيكون بمقدور إسرائيل تعويضهم بعشرات الآلاف من الجنود؟
بالمقابل هل تضمن قوات الاحتلال عدم وقوع عدد من هذه الأسلحة بأيدي الفلسطينيين واختطافها منهم أو شراءها ممن يحملها مقابل المال؟
ربما يمكن وصف أزمة الكيان الإسرائيلي الراهنة ومظاهر ضعفه أمام المقاومة الفلسطينية بأخطر وضع غير مسبوق منذ عام 1948، لأن الأخطار التي يتعرض لها من المقاومة حاصرته داخل جميع الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وعام 1967، بخمسة ملايين فلسطيني وبمليونين من حدوده الجنوبية عند جبهة قطاع غزة ومن محور المقاومة في الشمال عند حدود جنوب لبنان وحدود الجولان وتحول إلى العاجز عن التخلص من إيقاف تزايد مقاومة الداخل ومقاومة جبهة قطاع غزة عند الحدود، وأصبح قابلاً من دون مبالغة للتفتت والتخبط من داخله بوجود هذه المقاومة التي سببت تآكل قدراته أمامها وضيقت سبل التخلص من مقاومة الشعب الفلسطيني، وبدأ منذ سنوات كثيرة يدفع ثمن هذا التآكل المستمر في قوته ووجوده.