بيع الماء في حارات العطشانين بلا رقيب أو حسيب .. 400 ألف ليرة كلفة شراء صهاريج المياه شهرياً لبعض المنازل .. مؤسسة المياه: تحديد التسعيرة ليس من اختصاصنا
| جلنار العلي
بات بيع المياه بالصهاريج تجارة رائجة في الكثير من المحافظاتِ والمدن، أنعشتها أزمة المياه والتقنين القاسي أحياناً، ويمكن القول إنها تحولت إلى تجارة موسميّة يزدهر سوقها في فصول الجفاف التي يزيد فيها استهلاك المياه، فمثلاً سعر الصهريج في الشتاء أقل منه في الصيف، وطبعاً ذلك يتبع لحالة الينابيع التي تفيض في الشتاء، إضافة إلى أنها تجارة مناطقيّة يختلف سعرها بين محافظة وأخرى، وبين المناطق العالية وتلك التي تقل عنها ارتفاعاً في المحافظة نفسها.
في هذا السياق، كان لـ«الوطن» لقاءاتٍ عدّة مع سكان من بعض المناطق لمعرفة حجم هذه التكاليف الإضافيّة بالنسبة للدخل الشهري للمواطن، وخاصة أننا نتكلم عن مادة يعد أمر توفيرها بأسهل الطرق وأوفرها بدهياً وواجباً على المؤسسات المعنيّـة، مما لا يجعلها تصبح عرضةً للاستغلال.
400 ألف ليرة شهرياً للمياه فقط
ومن جرمانا في ريف دمشق، قال مجموعة من الأهالي إنهم يضطرون لشراء المياه بالصهاريج كأغلبية أبناء الحي الذي يقطنونه، حيث يصل سعر الصهريج الذي يحتوي على خمسة براميل إلى 30 ألف ليرة وذلك بذريعة أن صاحب الصهريج يشتري ليتر المازوت بسبعة آلاف ليرة من السوق السوداء، وأضافوا: «علماً أن تزويد المدينة بالمياه يقتصر على يوم واحد فقط مقابل ثلاثة أيام قطع، ولكن انقطاعات الكهرباء لا تسمح لنا بتعبئة الخزان بشكل كامل في يوم الوصل، لذا فإننا نضطر إلى شراء هذه الصهاريج إلى جانب تشغيل المولدات إن توافرت طبعاً والتي تحتاج للقيام بالمهمة إلى ليتر بنزين واحد في حال كان ضخ المياه قوياً، علماً أن سعر الليتر بالسوق السوداء يتجاوز الـ5 آلاف ليرة وأحياناً أكثر».
ولم يكن سكان منطقة القطيفة أفضل حالاً، حيث تتزود المنطقة بالمياه مرة واحدة فقط كل 15 يوماً لمدة 6 ساعات، ويشرح المواطن (أحمد. ن) وهو مدرّس فيزياء، أنه يحتاج إلى ما يزيد على 400 ألف ليرة شهرياً لتأمين المياه، أي حوالي أربعة أضعاف مرتبه الشهري الذي يتقاضاه من وظيفته الحكومية، لافتاً إلى أن معظم المياه التي يشترونها مصادرها مجهولة ويستخدمها الكثير من أهالي المنطقة للشرب وخاصة أن أصحاب الصهاريج يبيعونها على أنها من نبع الفيجة، علماً أن العكارة تكون واضحة فيها، ما يزيد خطر الإصابة بحالات التسمم التي تحدث ما بين الحين والآخر في بعض الأحياء، خاتماً حديثه بطلبٍ موجّه لمؤسسة مياه الشرب: «أعطونا حصّتنا من المياه بثمن الفواتير التي ندفعها لكم».
مرّة كل سبعة أيام
أما في محافظة الحسكة، فقد أشار أحد المواطنين إلى أن ضخ المياه على المدينة ضعيف بشكل دائم، وذلك بسبب سيطرة قوات «قسد» على محطة مياه «الحمة» والفصائل المسلّحة التابعة للاحتلال التركي على محطة «علوك»، لافتاً إلى أن المدينة مقسّمة إلى عدّة قطاعات، كل منها يتزوّد بالمياه مرّة واحدة كل سبعة أيام بمياه ضعيفة لا تكفي لتعبئة الخزانات، على حين توجد بعض الأحياء محرومة من المياه بشكل كلّي مثل أحياء الزهور والناصرة وتل حجر وغويران والعزيزية، ما أدى إلى انتشار صهاريج المياه بشكل كبير حيث تصل تكلفة تعبئة الخزان المؤلف من خمسة براميل إلى 8 آلاف ليرة في الأحياء المتطرفة، أما الأحياء الواقعة تحت سيطرة الدولة في وسط المحافظة فقد يصل سعر الصهريج فيها إلى 16 ألف ليرة، وقد تستهلك العائلة المؤلفة من أربعة أشخاص 15 برميل مياه في ستة أيام وخاصة في فصل الصيف الذي يستخدم فيه أغلبية الأهالي في تلك المناطق مكيّفات صحراويّة تعتمد على المياه.
تكثر في الغوطة وصحنايا
من جانبه، أكد مدير مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها سامر الهاشمي، في تصريح لـ«الوطن» أن أزمة الصهاريج تكثر في مناطق ريف دمشق، على حين تكون شبه نادرة في العاصمة، لافتاً إلى أن المؤسسة ترخّص جميع الصهاريج التي تتقدم بطلبات لذلك بشروط صعبة تلزم صاحب الصهريج بتجديد الرخصة كل ثلاثة أشهر، حيث تتضمن شروط منح الرخصة تقديم شهادة صحيّة لصاحب الصهريج تثبت خلوّه من الأمراض السارية، إضافة إلى وضع لصاقة – على الصهريج المطلي باللون الأزرق حصراً- تشير إلى مصدر المياه الذي يجب أن يكون مرخّصاً أيضاً من المؤسسة لإثبات موثوقيّته.
وأكد الهاشمي وجود الكثير من الصهاريج المخالفة التي تكثر في مناطق الغوطة وصحنايا، حيث وردت الكثير من الشكاوى في هذه المناطق، علماً أن المؤسسة في هذه الحالة تعلم محافظة ريف دمشق بوجود صهريج مخالف، لتخاطب بدورها قيادة الشرطة التي تحجز الصهريج لحين الحصول على رخصة، موضحاً أن تحديد تسعيرة شراء المياه ونقلها في هذه الصهاريج ليس من اختصاص مؤسسة المياه.
وأردف: «إن المؤسسة تعمل على حل مشكلة المياه تدريجياً بالتعاون مع شركة الكهرباء لتغذية الآبار والمخارج المعفاة من التقنين وخاصة أن معظم مدن ومناطق ريف دمشق باستثناء جزء من القلمون الشرقي تتوافر فيها مصادر مياه كثيرة، ولكن قد يحتاج هذا الأمر إلى عمل ووقت كبيرين».
قد تكون مصادر مجهولة وملوثة
من جانبه، كشف عضو المكتب التنفيذي المختص في محافظة ريف دمشق حسين العبد الله في تصريح لـ«الوطن» أن تحديد تسعيرة هذه الصهاريج ليس من اختصاص المحافظة وإنما من اختصاص مؤسسة المياه، ولكن يتحدد دور المحافظة في فحص جودة هذه المياه ومصادرها ومعالجة الشكاوى بالنسبة للصهاريج المخالفة، مشيراً إلى أنه بالفعل يوجد الكثير من الصهاريج التي تتقاضى أجوراً باهظة لإيصال المياه إلى المنازل، متابعاً: «كما أننا نخشى من المصادر المجهولة للمياه التي لا يوضع عليها لافتة تابعة لمؤسسة المياه تثبت نظافتها وخلوها من أي شوائب، فقد تكون مياهاً ملوثة أو مختلطة بمياه الصرف الصحي».
عدم إمكانية السيطرة عليها
وفي الحسكة، أشار مدير مؤسسة المياه محمود العكلة في تصريح لـ«الوطن» إلى عدم إمكانية ترخيص الصهاريج الخاصة المنتشرة أو مراقبتها والسيطرة على أسعارها، بسبب خروج الكثير من المناطق عن سيطرة الدولة، مؤكداً وجود الكثير من التجار الذين يستغلون أزمة المياه ويبيعون الصهاريج بأسعارٍ مرتفعة، ولاسيما في ظل الانقطاعات المتكررة للمياه نتيجة عدم السماح للمؤسسة بتزويد المحافظة بالمياه من محطة علوك من القوات التركية التي تسيطر عليها، لافتاً إلى أن مؤسسة المياه بدأت صيانة هذه المحطة بالتنسيق مع الحليف الروسي، ولكن أمر تشغيلها يبقى بيد العدوان التركي وبالتالي فإن كمية المياه الواردة إلى الحسكة المقسمة إلى 6 قطاعات غير كافية، حيث تصل مدة انقطاع المياه في بعض القطاعات إلى عشرة أيام وذلك حسب واقع تشغيل المحطة.
بدائل عن انقطاع المياه
وفي السياق ذاته، أوضح العكلة أنه يتم اللجوء في أيام الانقطاعات الطويلة إلى الصهاريج التي يتم تسييرها من محطة نفاشة الواقعة شرقي مدينة الحسكة، والتي تقدّمها بعض المنظمات، لتعبئة المياه في خزانات موجودة في الشوارع العامة، والتي يبلغ عددها حوالي 400 خزان موزعة من قبل هذه المنظمات ليؤمن المواطنون احتياجاتهم منها، متابعاً: «كما تقوم بعض المنظمات بحفر آبار سطحية ضمن الأحياء، وتكون مياهها غير صالحة للشرب حيث يستفيد منها الأهالي للاستخدامات المنزلية لتغطية بعض الحاجة».
وبيّن العكلة أن المؤسسة أدخلت أيضاً 20 محطة تحلية إلى داخل الأحياء، 16 منها تم تأمينها بالتعاون مع المنظمات، أما ما تبقى فقد قدمتها وزارة الإدارة المحلية بالاتفاق مع الجانب الإيراني، لتشغيلها في حالات الطوارئ التي تنقطع فيها مياه محطة علوك أو يتم منع الصهاريج من الدخول إلى المدينة، مشيراً إلى أن عملية تشغيل هذه المحطات أو صيانتها تحتاج إلى الكثير من التكاليف.