مع اقتراب نهاية الدورة الحالية للإدارة المحلية والاستعداد لمرحلة جديدة من الانتخابات ثم العمل في ظروف تتطلب الارتقاء بمستوى الأداء في مختلف الجوانب الخدمية والإنتاجية، يبدو الأمر بحاجة إلى وقفة مع الذات للتأمل والمراجعة، أين كنا.. وأين أصبحنا؟ ما نقاط القوة المتاحة كي نبني عليها وما نقاط الضعف كي نتجاوزها؟ والمراجعة المطلوبة هي بطريقة تحليلية موضوعية نقدية تهدف إلى تسليط الضوء على نقاط الضعف في مجال الإدارة العامة سواء أكان ذلك لجهة التنظيم الإداريّ أم لجهةِ الإطار القانونيّ أم الصعوبات التي تعترض التطبيق العملي، ومن ثم تقديم المقترحات التي قد تساعد على الوصول إلى واقع أفضل مما هو عليه الحال. ولعل من بين أهم الأمور التي تحتاج إلى مراجعة ودراسة موضوع الخطة المحلية التي تعتبر الأساس لتنمية الموارد في الرقعة الجغرافية المحددة لها وفقاً لما يحدده أصحاب الشأن في التخطيط والبرمجة لهذه الخطة.. وإذا كان من ميزات هذه الخطة أنها تعتمد على تبني خطة محلية، إلا أن أهم ما يجب توافره فيها ويميزها الرؤية الإستراتيجية طويلة الأمد عندما تلخص اتجاهات التطور في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والريفية والالتزام بكل القواعد والمعايير التي تخضع لها الخطة، بما في ذلك معايير اختيار المشاريع ونظم التقييم والمتابعة وإعداد تحليل للواقع الراهن الذي يشمل مختلف جوانب الحياة، واعتماد النهج التشاركي بصياغة الأهداف من خلال تشكيل فرق عمل تضم مختلف الفعاليات، واستخلاص الأهداف من خلال الحوار البنّاء مع مختلف شرائح المجتمع حيث تشمل الخطة أهدافاً بعيدة المدى وأهدافاً فرعية وسياسات تترجم إلى برامج ومشاريع تؤدي إلى تحقيق الأهداف، إضافة إلى الأخذ بالحسبان تحقيق التكامل والتنسيق بتنفيذ المشاريع ذات الصفة الإقليمية وفقاً لخصوصية كل جغرافية والإمكانات المتوافرة فيها، إضافة إلى أهمية تقريب القرارات العامة من الناس وتشجيع النمو المتوازن والمتكافئ إذ إن اللامركزيّة تعطي الشعب دوراً مهماً في عملية صنع القرار وتتطلب توافقاً وطنياً على خطط التنمية، كما تسمح اللامركزيّة باعتماد برنامج للتنمية الوطنية أكثر عقلانية نظراً لاختلاف الحاجات والفرص باختلاف المناطق فقد تكون هناك حاجة إلى المساكن وتحسين البنية التحتية في بعض المناطق بينما تشتد الحاجة في مناطق أخرى إلى استثمارات أخرى.
ولعل من بين المؤشرات التي تسهم في نجاح التنمية وتطوير الخدمات استثمار الإمكانات بالشكل الأمثل والمشاركة الفاعلة للمجتمع المحلي والمحفزة للنمو الاقتصادي والجديرة بتحويل المنطقة المستهدفة في الخطط والبرامج إلى قطب تنموي، والارتقاء بنوعية الخدمات والمرافق والبنى التحتية ما يحقق تأمين الشروط المعيشية اللائقة للسكان لأن ذلك يحفزهم على الإسهام في عملية التنمية.
وعندما يعتمد نجاح أي عمل على الكفاءة في التخطيط ودراسة المشاريع قبل إدراجها في الخطة من جميع النواحي الفنية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتنسيق بين الوحدات الإدارية ومختلف القطاعات الأخرى، فإن النتائج تكون منسجمة ومتوافقة مع المقدمات لكن الإشكالية تبقى في الكوادر التي تخطط ومدى توافر الكفاءات في مواقعها المناسبة وقبل ذلك تهيئة هذه الكوادر وتأهيلها وفقاً لمتطلبات عملية التنمية، وهنا نلاحظ أنه بالنظر إلى واقع الكفاءات في مؤسساتنا الخدمية والإنتاجية نجد نقصاً كبيراً في هذه الكفاءات، وهناك البعض من الدوائر والمؤسسات تفتقر إلى المتخصصين في مجال عملها الأمر الذي يتطلب المزيد من الاهتمام بتنمية الكوادر البشرية وتأهيل الكوادر القادرة على قيادة عملية التنمية.
إننا على موعد مع مرحلة جديدة من الإدارة المحلية يفترض أن تكون مهامها واعدة وهنا لعله من المفيد التذكير بما أكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد في اجتماعه مع رؤساء المجالس المحلية في الشهر الثاني من عام 2019، عندما اعتبر (أن جوهر ما يهدف إليه قانون الإدارة المحلية هو تحقيق التوازن التنموي بين المناطق من خلال إعطاء الوحدات المحلية الصلاحيات لتطوير مناطقها اقتصادياً وعمرانياً وثقافياً وخدمياً وما يعنيه ذلك من مساهمة في رفع المستوى المعيشي للمواطنين عبر تأسيس المشاريع وخلق فرص العمل، إضافة إلى تخفيف الأعباء عنهم من خلال تقديم الخدمات لهم محلياً وخاصة في المناطق النائية والبعيدة عن مراكز المدن، وتوسيع المشاركة في تنمية المجتمع المحلي الذي يقوم بتحديد احتياجاته وإدارة موارده كما يقوم المواطن بعملية الرقابة على أداء مؤسسات الإدارة المحلية وتصويب أي خلل يصيب عملها، وهذا يعني توسيع شراكة المواطن مع مؤسسات الدولة في صنع القرار والذي من شأنه أن ينمي لديه المعرفة بمشاكل المؤسسات ويعطيه القدرة على اقتراح الحلول العملية بدلاً من انتظار الحل واقتصاره على ما يطرحه المسؤول).