إذا كانت الحرب العالمية الثانية قد دامت ست سنوات في أوروبا والعالم فإنها دامت ثماني سنوات على أراضي الصين، لأن اليابان كانت قد شنت عدواناً واسعاً على الصين منذ عام 1931 حين احتلت لها منشوريا، ثم في عام 1937 حين اجتاحت كل أراضي الصين، وقد تسببت الحرب اليابانية ضد الصين بخسارة بشرية صينية تقدر بـ35 مليوناً بين قتيل وجريح ولجوء مئة مليون من الصينيين داخل بلادهم بعد تدمير بيوتهم على أيدي الجيش الياباني منذ عام 1937 حتى عام 1945.
في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تنتظر دمار الطرفين الياباني والصيني منذ عام 1939 حين نشبت الحرب العالمية الثانية على المسرح الأوروبي بعد الغزو النازي الألماني ومقاومة الصين ودول آسيوية أخرى للاحتلال الياباني واستمرار غزوه للصين، فلم تفتح واشنطن الحرب على ألمانيا واليابان إلا في عام 1941، ولو لم تتصدَّ الصين لهذا الغزو على أراضيها، لما تمكنت الولايات المتحدة من هزيمة الجيش الياباني في آسيا.
ها هو التاريخ يعيد نفسه في هذا القرن بطريقة معاكسة أصبحت فيها طوكيو وواشنطن حليفين ضد الصين، وبخضوع ياباني تام للإمبريالية الأميركية التي ضربت اليابان بقنبلتين نوويتين ودمرت لها مدينتين بعد إبادة نووية بلغ عدد ضحاياها أكثر من نصف مليون من المدنيين عام 1945.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا القرن وظروفه التي تزايدت فيها احتمالات حرب عالمية مباشرة بين عدد من القوى الكبرى والإقليمية وعلى الساحتين الأوروبية والآسيوية: ما الذي ستحصل عليه حكومة اليابان من واشنطن وهي ترى أن حربها على الصين لن تقتصر على أسلحة تقليدية بين الغرب وروسيا ولا بين الغرب والصين، بل هي قابلة لبلوغ درجة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أو الإستراتيجية؟
لقد تزايدت خلال العام الماضي كل السياسات والإعدادات الأميركية التي تشير إلى إمكانية وقوع حرب مباشرة بين جيوش القوى الكبرى، فانضمت اليابان لهذه الاستعدادات وأعلنت أنها ضاعفت ميزانيتها العسكرية وخصصت 2 بالمئة من قيمة ناتجها القومي الشامل للأغراض العسكرية حتى عام 2027، وفي هذه الحال ترى مجلة «أكسيوس» الأميركية أن اليابان ستصبح ثالث أكبر دولة في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة والصين، على حين أن استطلاعاً للرأي جرى بين اليابانيين قبل وقت قريب أشار إلى أن 65 بالمئة من اليابانيين يعارضون ارتفاع أي ضرائب من أجل زيادة الإنفاق العسكري.
الحقيقة التي لا ترغب حكومات اليابان الاعتراف بها هي أن الولايات المتحدة تفرض قراراتها عليها بقوة 50 ألفاً من الجنود الأميركيين المنتشرين بمواقعهم في أراضي اليابان موجب اتفاقيات وقعتها معها منذ عام 1952 ومرحلة ما بعد الحرب الكورية عام 1953، وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد أعلن في أثناء ولايته في السنوات الماضية أنه يطالب طوكيو بزيادة المبلغ الذي تدفعه سنوياً مقابل حماية القوات الأميركية لليابان إلى عشرة مليارات دولار، وطالب كوريا الجنوبية التي كانت تدفع سنويا أربعة مليارات بزيادة المبلغ إلى ستة مليارات مقابل وجود 35 ألفاً من القوات الأميركية على أراضيها بحجة حمايتها من كوريا الشمالية والصين.
إن اليابان أقرت في دستورها عام 1947 الامتناع عن المشاركة في الحروب أو شنها ولذلك لم تكن تهتم بتخصيص أي ميزانية ذات شأن في شراء الأسلحة طوال عشرات السنين، لكن مصالح الولايات المتحدة بدأت تفرض عليها المزيد من شراء الأسلحة ما دامت ستوظفها في حروبها المشتركة ضد القوتين الكبريين روسيا والصين، وقد انضمت بريطانيا قبل أيام إلى عقد صفقات بيع أسلحة لليابان لتعزيز اتفاقات دفاع مشترك معها ضد الصين، وتعد كل هذه الاستعدادات الحربية بين المعسكر الغربي الأوروبي والآسيوي على الساحة الدولية محاولة مباشرة ومكثفة لردع الصين وروسيا عن حماية سيادة أراضي كل منهما وزيادة منافسة الصين الاقتصادية للولايات المتحدة التي تريد استعمار شعوب العالم عن طريق نشر قواتها باسم حماية حكومات الدول التي تتحالف معها، علماً أن معظمها دول فرضت عليها الولايات المتحدة الخضوع، فقد تحولت اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وإيطاليا وتايوان ودول أوروبية عديدة ممن تكبدت هزيمة في الحرب العالمية الثانية إلى سوق أسلحة للولايات المتحدة وبريطانيا خلال أعوام قليلة، إما بحجة مجابهة ما يسمى «الأخطار الصينية» و«الأخطار الروسية»، والهدف الإستراتيجي الأميركي من كل هذه السياسات هو المحافظة على نظامها الأحادي في السيطرة على مقدرات الشعوب وتوظيف حكومات أكثر عدد من الدول في هذه الإستراتيجية باستخدام كل أشكال التهديد المعلنة والخفية، ولو أرادت حكومة اليابان تلبية مطالب شعبها الطبيعية الرافضة لهذا التحالف مع واشنطن، لامتنعت عن هذه السياسة التي كلفت اليابان عشرات الملايين من الضحايا في أثناء حروبها الاستعمارية.