منذ أكثر من ربع قرن، اعتبر البنك الدولي مكافحة الفساد جزءاً لا يتجزأ من جهود الحد من الفقر والجوع، كان هذا القرار رائداً يومها ومازال، فالفساد يحوّل الموارد من الفقراء إلى الأغنياء، ويخلق ثقافة الرشوة، ويشوه النفقات العامة، ويثبط المستثمرين ويعرقل النمو الاقتصادي، والفساد يعني إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق كسب، ويعد الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤثر في جميع البلدان، فالفساد يؤدي لإبطاء التنمية الاقتصادية، وتقويض أسس المؤسسات الديمقراطية، وتحريف سيادة القانون، وخلق مستنقعات بيروقراطية قائمة على الرشاوى.
الفساد يساعد على التهرب من الضرائب، ويضعف الإيرادات العامة، وبالتالي قدرة الحكومات على الإنفاق، بالمقابل لا يزال الفقر بمثابة طاعون يعاني منه أكثر من نصف سكان العالم، والقضاء على الفقر بجميع أشكاله يُعتبر أكبر تحدٍّ يواجه العالم اليوم ومطلباً لتحقيق التنمية المستدامة، ويستمر وجود الفقر المدقع شاغلاً رئيسياً لأقل البلدان نمواً والدول النامية وبعض البلدان المتوسطة الدخل.
وبسبب العلاقة بينهما، فإن محاربة الفساد جزء من محاربة الفقر، لأن الفساد يؤدي لانعدام الكفاءة وضعف إدارة الدولة، وتدني جودة الخدمات العامة واستثمارات البنية التحتية، ما يؤثر مباشرة في معيشة المواطنين، ويكون المواطنون الأكثر احتياجاً هم أول ضحايا الفساد.
في البلدان النامية والفقيرة، هناك عادة مجموعة واسعة من المشاكل، فالشركات الأجنبية منها والمحلية، تتهرب من دفع الضرائب، وأعداد كبيرة من الشركات غير رسمية وغير مسجلة، وهناك ضعف في إدارة الإيرادات، وفقدان ثقة من الجمهور، وبالتالي فإن لأداء القطاع العام في الدول النامية والفقيرة أهمية خاصة لأشد السكان فقراً من الذين يعتمدون على الخدمات الحكومية، وتحسين الخدمات أمر أساسي لهم للتخلص من الفقر.
السؤال المطروح: ما الدور الذي ينبغي أن يضطلع به القطاع الخاص في هذه الدول؟ فمن الضروري إشراك القطاع الخاص في ردع الفساد من خلال ممارسات العمل السليمة وتشجيع الشركات على الإبلاغ عن أي مخالفات حال وقوعها في إطار عمليات الشراء والعقود في القطاع العام.
إن من أفكار مواجهة الفساد في الدول النامية، ضرورة استفادة الحكومات من التكنولوجيا في مكافحة الفساد، واستخدام التكنولوجيا لزيادة الشفافية في المجالات الحكومية التي تعد أكثر تأثراً بقضايا الفساد، مثلاً مشاريع البنية التحتية الكبيرة، والصناعات الاستخراجية، والجمارك.
يجب استهداف الفساد بزيادة الرقابة والشفافية في إطار عمليات الشراء والتعاقد، ومراقبة سلوكيات موظفي القطاع العام، وتعزيز نظام التدقيق الداخلي ويجب استخدام الملفات الإلكترونية وتدريب عشرات الآلاف من موظفي الإدارة العامة الذين اعتادوا استخدام الملفات الورقية، وتعميمها في كل المستويات.
إن البيانات عنصر بالغ الأهمية، ومن الأولويات بناء القدرات الإحصائية للبلدان النامية، ويجب أن تقترن مكافحة الفساد بالجهود الحكومية لتوفير الخدمات والأمن للمواطنين، وتهيئة بيئة تعزز فرص العمل والنمو الاقتصادي، وعلى سبيل المثال نجد أن أقل الحكومات فساداً تحصل إيرادات ضريبية تزيد بنسبة 4 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي على ما تحصله البلدان المناظرة التي بلغت أعلى مستويات الفساد، وتتطلب مكافحة الفساد استجماع الإرادة السياسية، وعلى الوزراء ورؤساء المؤسسات العامة أن يكونوا قدوة أخلاقية على قمة الهرم الوظيفي، وستؤتي إصلاحات الإدارة الضريبية ثماراً أكبر إذا تم تبسيط القوانين الضريبية والحد من مساحة التقدير الاستنسابي المتاحة لموظفي الضرائب، ووجود إجراءات قضائية عادلة، والخطوة المهمة التالية، إعداد خطة وطنية لمكافحة الفساد بمشاركة جميع الجهات العامة كل حسب اختصاصه، على اعتبار أن الفساد يعمّق من الفقر ما يجعل الفقراء عرضة للاستغلال والرشوة مقابل الحصول على خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم.
لا يمكن لأي بلد التخلص من الفساد تماماً، فإن ما يميز بلداً عن الآخر هو كيفية تعامل المؤسسات مع هذا المرض، واستمرار سوء الإدارة والفساد يُحبط المواطنين ويقوض ثقتهم في الدولة، والفساد يعمّق من الفقر ما يجعل الفقراء عرضة للاستغلال، ويمكن أن يؤدي لزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
إن الحكم القوي والمؤسسات الفعالة عنصر أساسي لمساعدة الدول النامية والأقل نمواً لمكافحة الفساد، والانفتاح بشأن استخدام الموارد العامة يبني الثقة بين المواطنين وحكوماتهم، ويمكن أن يجعل الإنفاق العام أكثر فعالية، وأسلوب استخدام مواردها أكثر شفافية، ويحد من الفساد وبالتالي يسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين الأكثر فقراً في الدول النامية والأقل نمواً.
إن تعبئة المزيد من الموارد المحلية، وإشراك المواطنين يساعد على تفعيل التنمية، فاستمرار سوء الإدارة والفساد يحبط المواطنين ويقوض ثقتهم في الدولة.