نلتقي لنرتقي، ليست مجردَ عبارةٍ تقالُ بمحادثةٍ هاتفيةٍ عابرة يتمنى فيها الطرفان اللقاءَ القريب، لكني أراها نهجاً يفعِّل الكثيرَ من الأمنيات بتجاوزِ كل لحظاتِ الخلاف وتفهم الاختلاف، وحدهُ اللقاء قادر على إزالةِ كل هذه العوائق أما التمترسَ خلف الأفكار المشحونة والمواقف المسبقة المؤدية إلى التباعدِ المكاني والزماني فهو مسيرٌ نحو الفناء، يبدأ بفناءِ القيم لينتهي باندثارِ الحب ولو بقي الجسد قادراً على العطاء لكنه عطاءٌ بلا روح، هو أشبه بعطاءِ العامل الذي لا يكفيهِ راتبهُ احتياجاتَ أيام ثلاثة، هو أشبه بعطاءِ أم فُجعت بابنها ورحل عنها الثاني أما الثالث فهو مجهول.. المصير!
نبحثُ عن الإرادة التي تجعل التسامحَ نهجاً، لكننا دائماً ما نصطدم بمجهولٍ يحوّل الرغبات إلى مقاصلَ تقطع رأس الحلم قبل حتى أن يفكرَ بالنضوج، تضيع الحقيقة عندما تصبحُ الأكاذيبَ كلمة السر في تعويمِ زمن التفاهة، ويالها من تفاهةٍ تلك التي نعيشها عندما تصبحُ الكلمة الواعية لغة خشبية، انتهاك الحياة الشخصية للآخرين مجرد حرية رأي، أما المتاجرة بمشاعرِهم واحتياجاتهم فهي نقلة نوعية في التكاتف والتعاضد، وسطَ كل ما نعيشه من ظلامٍ دامس في الأحلام والأمنيات لابد علينا من التفكير بطريقةٍ مختلفة، طريقة تجعلنا لا نستسلم لفكرةِ أن عصر التفاهة قدر لا يمكن الهروب منه، وأن دعوات التباعد والخطاب العدواني هي المصير الذي لن يستطيع هذا الشرق النهوض من طعناتِ خناجره، طريقة تجعلنا فعلياً نرى المستقبل بصورةِ الأفكار الجامعة لا تلك التي تفرق حتى الأخ عن أخيه.
الارتقاء باللقاء بات نهجاً تبحثُ عنه الدول والمحاور والتكتلات، فيما يراه الأشخاص مجردَ انهزام؟! هنا علينا أن نسأل هل إن الدول تواضعت للتفكير كما الأشخاص أم إن الأشخاص عصي عليهم التفكير بمنطق الدول؟ بتنا في زمنٍ نرى فيهِ الأمة الإسلامية توحدُ يوم صيامها، خطوة جيدة ونتمنى فعلياً ألا تكون مصادفة بل تجسيد لنهج التسامح والمحبة، فيما لايزال من يظن نفسه ملكياً أكثر من الملك يصرُّ على أن الخلاف هو «جوجلة» تحصد الغث من الثمين حتى كادت هذه «الجوجلة» تحصدنا جميعاً.
في هذهِ الأيام الفضيلة، بما فيها الصوم المقدس عند الجميع، في داخلنا أمنية أن يكون الصوم الأخير على طريقةِ العشاء الأخير لكلَّ التباعد الذي بيننا، أن يكون رمضان القادم هو رمضان الالتقاء، نستطيع أن نفعل ما هو أكثر من الالتقاء لنعود إلى أيام اشتقنا إليها، إلى ذاكَ الزمن الجميل عندما كانت جُلَ اهتماماتنا ما نهاية هذا المسلسل؟ ولماذا لم نحب هذا البرنامج؟ عندما كنا نضحك على «حنا» وهو مختبئ خلف سطح المبنى ليدخنَّ سيجارتهُ، ليسَ خوفاً لكن احتراماً، عندما كانت عبارة «اللهم إني صائم» تقال في مكانها، باختصار علينا باللقاء لكي يحدث الارتقاء إلى المستوى الذي يكون فيهِ الجائع والمحروم في وطني.. هو الاستثناء، ولتذهب باقي الاختلافات إلى الجحيم هي ومن يتطرف لها.