لماذا تعطّل الإنتاج في القطاع الزراعي وتراجعت كميات بعض المحاصيل..؟! وتحت هذا السؤال العريض تبرز أسئلة فرعية كثيرة، فالزيادة الكبيرة في الاحتياجات الغذائية إلى تنامٍ، أمام تراجع بالمتاح فرض على البلدان، وخاصة في منطقتنا العربية، وسورية من ضمنها طبعاً، واقعاً جديداً بالاتجاه نحو الاستيراد من الخارج بعد أن باتت مكشوفة أمام تحديات ضاغطة ولّــدت تناقصاً حاداً اليوم ببعض المحاصيل، ولا أحد يعرف الصورة المستقبلية إذا لم يتم اتخاذ قرارات أو خطوات، ليس فقط على صعيد محلي، فالواقع يشير إلى حتمية التفاعل والتعاون ضمن الإقليم العربي أو الواقع العربي برمّته!
اقتصادات الدول، وليست العربية فقط، تعاني من تقلّبات أكثر حدّة مما سبق خلال السنوات الماضية، وهنا تزداد أهمية الجانب الزراعي والاستثمار ضمنه، في ضوء ارتفاع المخاطر الخارجية والمناخية لدى كثير من الاقتصادات والأسواق، والتي تتجلى من خلالها الجاذبية المتنامية للاقتصاد الوطني، أمام الاستثمارات العربية فيما بينها، ولتلك الاستثمارات الأجنبية، واليوم بات من الضروري أن تسعى الدول العربية لبناء جسور عمل وتعاون وتكامل حقيقية في مجال القطاع الزراعي. من هنا جاء توقيع مذكرة التعاون في دمشق بين سورية والعراق والأردن ولبنان لزيادة التعاون والتبادل التجاري، بما يحقق التكامل الزراعي بين الدول الأربع.
بعيداً عما تضمنته المذكرة وجهود وزارة الزراعة السورية لتوقيع الاتفاق بين دول الإقليم لسدّ ما يمكن تأمينه من احتياجات زراعية لمواطني هذه الدول، فإن ذلك يأتي ضمن توصّل حكومات الدول إلى قناعات واضحة بشأن توفير الوسائل والسبل، وتبنّي السياسات المناسبة لتحفيز القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال على توظيف الأموال في القطاع الزراعي وتوفير الأرضيات المناسبة، وصولاً لتحقيق نهضة أو ما يسدّ كل الاحتياجات الممكنة بين دول الإقليم، فالخيار اليوم كما أكدت وزارة الزراعة السورية خيار إستراتيجي حيويّ مثل الأمن الغذائي، وأن حسابات التكلفة والعائد يجب أن تحتل أولوية ثانية أيضاً.
هناك تحديات ضاغطة، ودول الإقليم ستواجه في السنوات المقبلة تناقصاً ببعض المنتجات، كما هو حاصل اليوم، وربما يمتد هذا التناقص إلى حصول فجوة غذائية خطرة، من جراء متغيرات وعوامل مناخية مسيطرة، فمثل تلك التهديدات تستدعي اليقظة واتخاذ قرارات وتوقيع اتفاقات، ومن باب الإنصاف أن تهديدات كهذه تحاول وزارة الزراعة، من خلال البحث الدائم، لوضع إستراتيجيات لمواجهتها والتقليل من حدّتها، والتنسيق المستمر مع بعض الدول العربية والمنظمات الداعمة، واليوم وضع لبنة أساسية بين دول الإقليم، ومنها سورية، لإجراء مهم يمكن أن يفتح الباب واسعاً أمام الاستثمار المشترك، أحد المداخل الرئيسة لمواجهة الأزمات التي تهدد الزراعة، الخيار هو تعزيز التجارة الزراعية من خلال زيادة كميات التبادل التجاري وفق الروزنامات الزراعية المشتركة وتغطية حاجة أسواق الدول الأربع من المنتجات الزراعية بمواصفات جيدة وأسعار مقبولة، وبأوقات محددة دونما أي تأثير في الإنتاج المحلي.
لاشك بأن تعزيز التعاون وتسهيل انسياب السلع الزراعية بين الدول، والاتفاق على ذلك من قلب دمشق، تعطي آفاقاً وزخماً جديداً على أن الأمن الغذائي وتعزيز التكامل بين الدول صارا أولوية، ويجب أن ينظر لهما على أنهما كذلك، وخاصة بعد التغيرات الدولية وتوقعات ازدياد الطلب على الغذاء وارتفاع الأسعار، ومثل اتفاق كهذا ربما يؤسس لتعاون أشمل وأعمّ على صعيد باقي الدول العربية، من باب أهمية التكتّل الاقتصادي المناسب والتعاون الزراعي لاستعادة الأمن الغذائي، الذي بدأت أساساته تتخلخل، مع الاستثمار الممكن للموارد المتاحة وتطوير نظم الزراعة، ما ينعكس خيراً على سكان وشعوب هذه الدول.