في كلمةٍ له خلال الاحتفال بعيد نوروز في أربيل في الـ20 من آذار 2023، دعا رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني مجدداً «فريق الاتحاد الوطني الكردستاني للعودة إلى اجتماعات مجلس الوزراء».
مسرور البارزاني، كان قد أوضح في مقابلة مع موقع «المونتيتور» الأميركي في الـ17 من آذار 2023، أن «السبب الحقيقي لهذا الفتور بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني هو اغتيال هاوكار عبد اللـه رسول، الضابط السابق في استخبارات الاتحاد الوطني، العام الماضي في أربيل»، مبيناً أنه «من أجل صرف الأنظار عن عملية الاغتيال، يقومون هم بتهويل المشكلات الأخرى، مثل المواضيع المالية وتوزيع السلطات، في حين أن هذه المشاكل كانت موجودة على الدوام».
هاوكار عبد اللـه رسول ضابط استخبارات فر إلى أربيل أوائل عام 2022، منشقاً عن الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث تبين أنه كان يتجسس لمصلحة الحزب الديمقراطي الكردستاني لسنوات.
في السابع من تشرين الأول 2022، انفجرت قنبلة في سيارة هاوكار، أدت إلى مقتله وإصابة أربعة من أفراد أسرته.
مجلس الأمن الإقليمي الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني اتهم الاتحاد الوطني الكردستاني بقتل هاوكار، معتقلاً ستة عناصر بتهمة التورط في الاغتيال، إضافة إلى أوامر اعتقال بحق أربعة مسؤولين أمنيين كبار من الاتحاد الوطني الكردستاني.
حدة التوتر والخلاف بين الحزبين الكرديين زاد شدتها، حين قيام رئيس الوزراء مسرور البارزاني بتكليف سلمان أمين الذي كان رئيساً لجهاز استخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية بمنصب أمني رفيع في أربيل، بعد انشقاقه عام 2022، قابله استفزاز وتحد علني لأوامر اعتقال مسؤولين أمنيين من الاتحاد الوطني الكردستاني، حين قام بافل الطالباني وأخيه قوباد نائب رئيس حكومة الإقليم والعشرات من رجال الأمن بينهم المطلوبين في عملية مقتل هوكار، بالتوجه في التاسع من تشرين الثاني 2022 إلى أربيل، ما عمق الخلافات المستمرة بين الطرفين.
الخلافات بين الحزبين الكرديين لا تعود إلى تمسك كل طرف برئاسة جمهورية العراق الذي تفجر العام الماضي، ولا إلى الاتهامات المتبادلة بشأن واردات الإقليم المالية، بل تعود إلى عقود ماضية من المواجهات المسلحة بينهما، في ظل التنافس والصراع على إدارة الإقليم، وخاصة أن الاتحاد الوطني الكردستاني خرج من رحم الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد أن قاد جلال الطالباني عام 1975 حركة الانفصال عنه.
أولى المواجهات المسلحة بين الحزبين كانت عام 1978 التي أدت إلى مقتل 700 عنصر من الاتحاد الوطني، تلاه قتال آخر في أيار 1994، أسفر عن سقوط ألف قتيل.
وعلى الرغم من قيام فرنسا وبريطانيا وأميركا بفرض منطقة آمنة للأكراد شمال العراق في الـ23 من نيسان 1991، التي تمنع القوات العراقية من دخولها، استنجد مسعود البارزاني في آب 1996، بالرئيس الراحل صدام حسين، لمقاتلة قوات جلال الطالباني! الذي أرسل قوات من الحرس الجمهوري ساعدت في إخراج مقاتلي الإتحاد الوطني من مدينة أربيل، ودفعهم حتى الحدود الإيرانية، لتستمر المواجهات العسكرية الدامية بينهما حتى أواسط 1998، متسببة في مقتل 5 آلاف شخص، استعاد خلالها الاتحاد الوطني أغلب المناطق التي خسرها باستثناء أربيل، لتصبح المناطق المسيطر عليها حالياً من كلا الطرفين، مناطق نفوذ دائمة للحزبين الكرديين.
أجواء الشحن الإعلامي والسياسي، وتبادل الاتهامات بين الحزبين الرئيسين المتنافسين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل الطالباني، متصاعدة ومستمرة، حيث يتهم كل منهما الآخر بالسيطرة على واردات الإقليم المالية من النفط والمنافذ الحدودية للمناطق الخاضعة لنفوذه في الإقليم.
ففيما يدعي الديمقراطي الكردستاني أن الاتحاد الوطني الكردستاني يهدد بإشعال حرب داخل الإقليم في حال تدخلت حكومة مسرور البارزاني بواردات المنافذ الحدودية الخاضعة لسيطرته، يتهم الاتحاد الوطني الكردستاني، الديمقراطي الكردستاني بمحاصرة مدينة السليمانية سياسياً واقتصادياً.
المحاولات الأميركية والغربية في احتواء التصعيد وتسوية المشاكل الداخلية بينهما، كلها لم تنجح.
القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، قال في حديث لموقع فضائية «العهد» في الـ24 من آذار 2023: إن «المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت حاولت لأكثر من مرة تقريب الحزبين الكرديين ودفعهم لحل الخلافات لكن محاولاتها لم تثمر».
حدة التوتر ما بين الحزبين الكردين طفت على السطح، والأوضاع الراهنة في إقليم كردستان باتت تنذر بمخاطر جمة، والحكومة في إقليم كردستان منقسمة، وكلا القسمين يتهم الآخر بالاستحواذ على الأموال ومفاصل الحكم، وهما ليسا في وارد الإصغاء إلى أحد.
وكما يبدو أن الأمور تتجه نحو منزلق الانشطار إلى إدارتين، واحدة في أربيل وأخرى في السليمانية، ومن غير المستبعد وقوع صدامات عسكرية بين الحزبين لا تحمد عقباها.