قررت اليوم أن أخوض في موضوع الكذب، أو آفة الكذب، فهل هو آفة أم مرض أم هروب من مواجهة الحقيقة الصادمة وتحمل المسؤولية عن خطأ اقترفناه؟
أذكر أنني استشهدت أكثر من مرة بالعبارة التالية: «ابريل شهر الغبار والأكاذيب» وهي الجملة الافتتاحية التي استهل بها الروائي الكبير نجيب محفوظ روايته «ثرثرة فوق النيل».
منذ أيام شهدنا الغبار بفعل العاصفة التي اجتاحت بلدنا، أما الأكاذيب فنشهدها على مدار الساعة، فنحن نعيش في بحار الكذب ومحيطاته ووديانه وجباله.
الكذب في كل مكان في العالم، وإن اختلفت نسبته، والكذب هو أكثر «عملة» متداولة في هذا العالم، وهو منتشر من الفنون والآداب وحياة البشر وصولاً إلى السياسة، وهنا حدّث ولا حرج!.
فالشاعر السوري الكبير الراحل محمد الماغوط خصص للكذب عيداً في مسرحية غربة بطولة دريد ونهاد، فصارت مثلاً يردده الصغار قبل الكبار، وهناك أفلام عنوانها الكذب منها فيلم «آخر كذبة» بطولة فريد الأطرش، ومنه فيلم «الستات ما يعرفوش يكذبوا» وغيرها كثير، في حين كان الكذب أرضية خصبة للكثير من الأغاني.
فإذا كانت فيروز تسمح لحبيبها بالكذب (وكذوب عليي.. الكذبة مش خطية) فإن ميادة بسيليس تستعذب كذب حبيبها فتقول له (كذبك حلو)!.
هل يرتبط الكذب في الحب بالجمال «فعبد الحليم حافظ» يغني لفاتن حمامة (حلو وكذاب ليه صدقتك)، ومناسبة هذه الأغنية أن فاتن حمامة أرادت أن تصرف عبد الحليم عنها فأعطته موعداً وهمياً ولم تذهب أصلاً، لأن الفيلم هو «موعد غرام»، ويجب أن تكتمل القصة والفيلم!.
كما أن وديع الصافي يستخدم الصفة نفسها التي استخدمها حليم فيقول: (حلوة وكذابة يا أغلى حبابي) لكنه بالمقابل كان شفافاً وصريحاً عندما اعترف بأنه هو أيضاً كذاب (والأكذب منك.. حضرة جنابي)!
أما وردة فهي لا تريد أن تخدع حبيبها فتقول له بكل صراحة (أكذب عليك لو قلت بحبك لسه أكذب عليك) فما الذنب العظيم الذي اقترفه هذا الحبيب حتى صارحته بالحقيقة؟ مؤكد هو الخيانة أو الإهمال، والله أعلم!.
دعونا من الأغاني ودعونا نعد إلى مسرحية غربة وعيد الكذب، وتذكرون بلا شك أن الفائز بمسابقة الكذب يحصل على الكأس، وعلينا جميعاً أن نبارك للفائز الأزلي على كأس الكذب!. وإذا انتقلنا من الفن والأدب إلى عالم السياسة عبر التاريخ نكتشف مصائب كبرى سببها الكذب، ألم يقل وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز عبارته الشهيرة: (اكذب.. اكذب حتى يصدقك الآخرون)؟ وأليست هذه العبارة نفسها التي استخدمتها الدول الاستعمارية عبر التاريخ لتسويغ احتلال الدول والسطو المسلح على خيراتها وثرواتها؟
ألم يُدمر العراق وأفغانستان والصومال استناداً إلى أكاذيب؟ ألم تحتل القوات الأميركية قطعة من الأرض السورية استناداً إلى كذبة مكافحة داعش، وداعش هذه صناعة أميركية بامتياز باعتراف رسمي وقع عليه الرئيس السابق ترامب ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون؟
كانت الفكرة أن نقدم فقرة ترفيه تسلي صيام الصائمين، لكن السياسة سرقتنا، وكان لا بد أن تسرقنا، لأننا نعاني من أكاذيب المستعمر مهما كانت جنسيته، والأميركي في المقدمة، وكل ما ينتج عن الكذب الأميركي هو باطل من قانون قيصر إلى العقوبات والحصار والسبب الحقيقي هو سرقة النفط السوري وحرق حقول القمح لتجويع الشعب السوري.
أخيراً.. تعالوا نصنع عيداً للصدق ولو مرة في العام بدلاً من أعياد الكذب المتنقلة حول العالم.