«تصفير» المشاكل مع إسرائيل
| صياح عزام
أصبحت تركيا وإسرائيل قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على «اتفاق نهائي» لاستعادة العلاقات «التي لم تقطع أصلاً» وتطبيعها، وطي صفحة الخلاف الذي نشب بينهما إثر حادثة «سفينة مرمرة» في العام 2010.
أما الاتفاق «المبدئي» الذي تم التوصل إليه في سويسرا وفقاً لما تناولته وكالات الأنباء والذي جاء بمبادرة وإلحاح تركيين فيتضمن مجموعة من الأمور منها:
– تخصيص صندوق تعويضات إسرائيلي لضحايا سفينة مرمرة بقيمة عشرين مليون دولار.
– بدء مفاوضات لإمداد تركيا بالغاز الإسرائيلي للتعويض عن الغاز الروسي.
– تبادل السفراء بين البلدين بعد أن ظل على مستوى قائم بالأعمال خلال الفترة الماضية.
– إغلاق ملف الدعاوى والشكاوى المرفوعة من تركيا ضد مسؤولين إسرائيليين في حادث مرمرة.
– وقف أي أنشطة لـ«حماس» على الأرض التركية وطرد القيادي الحمساوي صالح العارودي من تركيا وعدم السماح له بالعودة إليها.
هذا الاتفاق ليس مستهجناً ولا مستغرباً لأن العلاقات بين الطرفين لم تنقطع أصلاً، ولكن السؤال يجب أن يوجه لقطاع من الرأي العام الرسمي والشعبي الذي أبدى «شغفاً»، بالمواقف الصلبة المزعومة للرئيس أردوغان حيث اعتبره كثيرون الفاتح والمنقذ والزعيم الذي لا يشق له غبار، كما اعتبروا أن حزب العدالة والتنمية «الإسلامي» لا يمكن أن يخذل فلسطين ولا أن يفرط بـ«حرية غزة».
لقد سبق لكثير من المخلصين أن حذروا من مغبة الذهاب بعيداً في الرهان على ما يمكن أن تقوم به تركيا نصرة للعرب وللشعب الفلسطيني خاصةً، وانطلاقاً من أن منظومة المصالح التي تتحكم بالسياسة التركية سواء في عهد «الإسلاميين» أي حزب العدالة والتنمية أو في عهد العلمانيين هي واحدة، أي إن المصالح التركية هي فوق كل اعتبار ولها الأولوية.
ولكن على هامش هذا الاتفاق المبدئي، «نوضيح» وخاصة لمن أصيبوا بلوثة العمى الأيديولوجي بعض الحقائق والمعطيات من باب «فذكر إن نفعت الذكرى».
1- تُذكر حكاية «العارودي» في تركيا هذه الأيام، بحكاية «خالد مشعل» في سورية قبل أكثر بقليل من عشر سنوات.. يومها – كما هو معروف للجميع – كثف كولن باول وزير خارجية أمريكا آنذاك جهوده وضغوطه، ولوّح مهدداً بالويل والثبور وعظائم الأمور باتجاه طرد مشعل من سورية، إلا أنه عاد إلى بلاده بخفي حنين وكما جاء، وبقي مشعل في دمشق حتى غادرها طوعاً في عز الأزمة السورية.. فكيف يفسر الذين رفعوا أردوغان إلى مرتبة خامس الخلفاء الراشدين، كيف يفسرون هذه المفارقة؟
2- ما الذي سيقوله «عاشقو أردوغان» بعد أن تبدأ الأنابيب بضخ الغاز الإسرائيلي إلى مركز «الخلافة الراشدة» أنقرة؟ هل سيكذبون الخبر؟ وهل سيحملون المسؤولية لبوتين؟ هذا مع العلم بأنهم هاجموا السيسي ووصفوه بأنه أسوأ من إبليس، وهاجموا الأردن بسبب صفقات الغاز القائمة والمحتملة بين مصر والأردن من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، علماً بأن البلدين محكومان باتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، إلى جانب أن صفقات الغاز بينهما وبين إسرائيل متعثرة ومحتدم الجدل حولها.
3- منذ حادثة سفينة مرمرة وحتى الأمس القريب، كان القادة الأتراك يدعون بأنهم لن يستأنفوا العلاقات مع إسرائيل إلا بعد رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، حتى إن «الدعاية الأردوغانية الانتخابية» ذهبت إلى حد إهداء فوز الرئيس الانتخابي إلى أهل القطاع! ها هي العلاقات التي لم تتوقف أصلاً كما أشرنا قبل قليل تعود على أوسع نطاق، بينما الحصار ما زال يضرب أطواقه الثقيلة حول القطاع وسكانه، والسفراء سيعودون قريباً، وبينما البعض أيضاً يعيد «الفيديو» الشهير لمسرحية أردوغان في دافوس عندما غادر القاعة تاركاً شمعون بيريز وعمر موسى وراءه.
4- إن الشيء المضحك هو أن أنصار أردوغان من الإخوان المسلمين وغيرهم لا يكفون عن وصف الولايات المتحدة والدول الغربية بالأعداء والمتآمرين على العرب وعلى الإسلام.. مع أن هؤلاء أي (أنصار أردوغان وعاشقيه) يتجاهلون أن حكومة أردوغان هي أكثر من استنجد بحلف الناتو وبصواريخه حتى إن أحمد داوود أوغلو وصف حدود بلاده الجنوبية مع سورية والعراق بأنها «حدود الأطلسي».
على أي حال، هذا ليس مستغرباً من مناصري أردوغان الذين حثوا واشنطن أكثر من مرة على ضرب سورية وإسقاط الدولة السورية وحكومتها الشرعية، ولم يتورعوا عن تقديم الشكر للولايات المتحدة، لأنها تقدم السلاح للمجموعات الإرهابية المسلحة التي تقتل السوريين.
5- كمثال على ازدواجية المواقف، مسألة القروض التي كانت محرمة في عهد مبارك أصبحت (حلالاً وزلالاً) في عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي، مثال آخر، اتفاقيات كامب ديفيد كان يراها «التيار الإخواني» إثماً يستوجب المقاومة والتظاهر وإقامة خيام الاعتصامات، ولكن في عهد مرسي يتعين احترامها والالتزام بها.
باختصار، لقد خدع أردوغان الكثيرين.. ولكن في نهاية المطاف، اتضحت هويته الحقيقية وسياسته العثمانية، فهو يتبع خطاباً مذهبياً مدمراً، ويتاجر مع تنظيم داعش الإرهابي بالنفط السوري والعراقي المسروق، كما يدعم هذا التنظيم وما يتفرع عنه من جماعات إرهابية بالمال والسلاح والرجال، ويتحالف مع جبهة النصرة وأحرار الشام، كما عمد مؤخراً إلى نشر قواته العسكرية في العراق أملاً بضم الموصل إليه بعد تحريرها من داعش، منتهكاً بذلك السيادة العراقية.
إلى جانب ذلك، فقد حول أردوغان تركيا إلى مرتع للإرهاب وإلى سجن للصحفيين وهو ماضٍ في ضرب الأكراد واستئصالهم.
لقد تحولت تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى دولة تختلق المشاكل مع جاراتها من الدول وحتى مع الدول البعيدة عنها، ولكنها تصفر مشاكلها مع إسرائيل.