على تخوم إدلب في الشمال الغربي، وضفاف نهر الفرات الغربية، صمت أزيز رصاص الجيش العربي السوري، تاركاً الأمر لحل ما تبقى من الأراضي المحتلة من الجيش التركي ومرتزقته من تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي إلى صرير الأقلام السياسية وتحديداً لاتفاقية «خفض التصعيد» التي عرضتها موسكو خلال الجولة الرابعة من مفاوضات أستانا عام 2017 فيما يخص إدلب وريفي حماة واللاذقية، وللحوار مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» بما يخص شرق الفرات المحتل من القوات الأميركية تحت رعاية «قسد» الانفصالية.
منذ بدء الحرب الكونية على سورية 2011 وسيطرة التنظيمات الإرهابية على العديد من المناطق في الجنوب وريف دمشق والقلمون وغيرها، لم يقرر الجيش العربي السوري يوماً دخول وتحرير منطقة ما إلا وفعل، فكان نتاج ذلك عبر سبع سنوات تحرير جميع المناطق التي احتلتها التنظيمات الإرهابية، لتبقى بؤرة إدلب وشرق الفرات، ثم ماذا حدث؟
يوم 4 من أيار 2017، وقع ممثلو الدول الراعية لمحادثات أستانا روسيا وتركيا وإيران، على مذكرة تفاهم لإقامة مناطق لخفض التصعيد في سورية، وأكدت موسكو أنه سيتم تطبيقها ستة شهور قابلة للتمديد، بينما أعلن وفد «المعارضة» أنهم ليسوا جزءاً من الاتفاق، وعليه ما زالت الأمور تراوح مكانها على جبهة إدلب حيث يقوم الاحتلال التركي «ضامن جانب التنظيمات الإرهابية» بتنسيق الوضع هناك مع «النصرة»، على أن يتم تصفية جميع التنظيمات الإرهابية وفتح طريق حلب – اللاذقية M4 وفق اتفاقيات «سوتشي» مع روسيا، الأمر الذي لم يلتزم به النظام التركي، حيث تنصل من جميع مخرجات الاتفاقيات في 17 أيلول 2018، وفي 23 تشرين الأول 2019، وفي موسكو 5 آذار 2020، فبقيت الأمور على حالها رهينة المراوغة التركية.
ذات الحال كان على ضفة الفرات، حيث عمل الاحتلال الأميركي على دعم «قسد» وإقامة قواعد غير شرعية في مناطق منابع النفط للسيطرة عليها وسرقة ما تنتجه، فكان خيار الدولة السورية إفساح المجال أمام الحوار مع الميليشيات، لاستعادة المنطقة إلى سيطرة الدولة السورية، بعيداً عن إراقة الدماء، لكن ارتهان «قسد» وخضوعها للقرار الأميركي عرقل السير والتقدم بأي خطوة على طريق الحل، مفضلة الاستقراء بالمحتل والارتهان له.
ثم ماذا؟ تسارعت الأحداث وشهدت سورية حركة دبلوماسية عربية كبيرة نحوها، كانت بارقة أمل لدى السوريين جميعاً بأن يكون الانفتاح العربي الذي توج بعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، وعودة العلاقات مع السعودية، بداية لانتهاء الضائقة الاقتصادية الخانقة بفعل الحصار الأميركي الأوروبي الجائر والأحادي تحت ما يسمى «قانون قيصر»، كما كان دخول الأردن على خط حل الأزمة في سورية محل تفاؤل في الوسط السوري، إلا أن جذوة تلك الآمال خفت لاحقاً مع تراجع زخم الاندفاع العربي نحو دمشق، جراء الضغط الأميركي، على ما يبدو، ومع احتواء المبادرة الأردنية وفق مبدأ «خطوة مقابل خطوة» على طلبات، تشكل في جوهرها طلبات وشروطاً سابقة لم يستطع الغرب الحصول عليها بالقوة والحرب، الأمر الذي لا يمكن قبوله من السوريين حالياً تحت أي ذريعة أو مسمى كان.
عود على بدء، مع وصول الوضع الاقتصادي في سورية إلى حد الاختناق، فإن خيار تحرير المناطق المحتلة والخاضعة لسيطرة الميليشيات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية، يبقى الأكثر نجاعة للخروج من عنق زجاجة الوضع الاقتصادي الصعب، لكون تلك المناطق تحتوي على جل ثروات سورية النفطية، وخيراتها الزراعية الإستراتيجية، المنهوبة من الاحتلال ومرتزقته، واستعادتها يقي سورية من العوز والحاجة إلى المصادر الخارجية، فسورية وقبل أن تتعرض مناطق ومنابع ثرواتها الاقتصادية وخيراتها الزراعية إلى السرقة والنهب، كانت تعيش في حالة من «البحبوحة» والاكتفاء الاقتصادي.
إذا كانت الحرب تشكل خياراً لدى سورية مدفوعة بذلك بفعل السياسة الأميركي، فإن ذات الحال ربما لدى الأطراف الأخرى لتحقيق مصالح خاصة، فالتحشيدات العسكرية من الاحتلال الأميركي و«قسد» تفسر ذلك، وتشي بأن المنطقة أمام احتمالية نشوب حرب مصيرية ووجودية، بالنسبة لدمشق و«قسد»، حرب تبقى في إطار المنطقة، وربما تتدحرج لتصبح إقليمية حال تدخل قوات الاحتلال الأميركي، الأمر الذي سوف ينتج عنه تدخل روسي داعم للجيش العربي السوري، وكل ذلك لا يغيب عن بال أصحاب القرار، وهنا من الصعب التكهن بما سوف ينتج، لكن المؤكد أن كثرة الضغط الأميركي ومحاولته سد آخر منافذ التنفس الاقتصادي مع العراق سوف يولد الانفجار، وربما تكون الحاجة لإخماد نار كبيرة وضخمة، افتعال نار جانبية أو استباقية، تعيد الأمور إلى طبيعتها.
من سيبدأ وكيف ومتى؟ سؤال صعب الإجابة لأننا نقرأ ونحلل فقط.