لأنه الأرقى والنور الأسمى؛ لأنه العقل البشري، هو نورانية كل من تعقل، كل من سأل عن جوهر الأشياء، ومتممات بقائها.
لأنه العبقر، ونحن من يعشق عبقر الأشياء الوجودية، نحن من يعشق حضارة الاعتلاء فوق عرش الفكر الإنساني، نحن من صنع قوارب تبحر إلى عبقر الثقافة، إلى عبقر الزمن المعرفي بكل ثوانيه وأعوامه الضوئية، وعقارب انتمائه إلى وقت مستغرق الانتباه المعرفي.
وإذا قيل عبقر الشيء، أي أوجد به التناص الإبداعي ومقومات الثقافة، كأنه يحاول أن يجد من كل شيء أجمله، ومن كل فكر أفضله، كأنه استهداء الروح والعقل معاً، إلى نقطة البدء في التعرّف إلى جوهر الحقائق الوجودية، حقائق هي الصدى الأوحد لصوت تفكيرنا العاقل، مستهدي العبقر والعبقريات، ذلك الزمن الذي يجعلنا نفكر في ماهية كلمة عبقر.
هل العبقر توارد منطقي حسب أحقية الزمن الإبداعي، حسب فلسفات العقل المبتكر والحالم؟ وهنا نسأل عن ابتكار نتحدث به، إذا لم نمتلك شيئاً من عبقر الرؤى، عبقر الأفكار من خلال وضعها ضمن متلازمات العقل الثقافي الجادّ.
عبقر كل شيء يساند رحلة التفكير المنطقي لدينا. هذا التفكير المتلازم أولاً وأخيراً في تجليات البناء الهرمي، أو البناء الشاقولي، صوب الأحقية العليا لجوهر الإبداع الراقي، وحقيقة الوصول إلى أعلى درجاته.
فعندما تولدُ الفكرة، يولدُ معها الشيء الجميل المكتنز جمالاً إبداعيّاً متوارد الأفكار العبقريّة، حتى وإن تجذّر هذا الفكر الخلّاق المنساب بذوات الإبداع، واتحد معها في عملية متكاملة الرؤى المعرفية، ومتقاربة الفن العبقري ومسمياته.
وإذا ما كنا بالفعل، نحنُّ إلى زمن العبقر، ونسألُ: أيولدُ هذا الزمن على مقربة منا، أم نولد نحن على مقربة منه، ومن عبقر التفكير العلمي والأدبي؟
عبقر الثقافة أو الفكر النيّر، إن صحّ التعبير، هو الاهتداء إلى جميل ما نفكر به، وإن تفكّرنا به، وهبّ علينا برأيه الشديد ونبوغه المديد.
وهنا نسألُ: أيصح القول بأن العبقر شكل من أشكال النبوغ النابغ من العطاء الرباني أولاً، ومن الإذكاء الفعلي لمفهوم النبوغ والعبقر على حدٍ سواء؟
فرياض العبقر تتسع، كلما افتعل بنا الفعل الثائر، وعظائم أموره افتعلت بنا، سكن إلينا بروحه وبنباهة الوقت الحالم.
أيدري ذلك الزمن أننا كنا أبناءه وكل خلانه؟
أيدري أن كلمة عبقر، تمنح عقولنا حقّ امتياز في الوصول إلى ما نبتغي، أو حتى الاقتراب من ذلك؟
وتجعلنا نسألُ عن المعاني السامية لكلمة عبقر، وهنا يتجدّد السؤال:
كم منا لايزال يحنُّ إلى عبقر مميّز، تلحق به واو الجماعة، من أجل أن يصبح المجتمع ككلٍ عبقرَياً، وإذا كان العبقر يوجد على تخوم الجماعة أو النخبة المجتمعية إن صحّ التعبير، فلكون النخبة تنشد النضج المعرفي المتوازن، والتجديد الثقافي الواعي، الذي لا ينتظر نجم الحظوظ، حتى يرتفع عظيم شأنه.
عظيم شأنه الدال والمستدل عليه، من خلال اللغة الناطقة بقوّة القول الصادق المقترن بالعمل الناجح، وهنا يتجدد السؤال: هل يوجد العبقر بذهن كل منا؟ وهل نستطيع الوصول إليه على الرغم من تلال الهموم الحياتية، وحجة الانشغال الدائم بها، وحجة الحجب الضبابية؟ هذه الحجب يجب إن نصفيها من شوارد التفكير الآني المسمّى في بعض الأحيان التفكير العفويّ، هنا نقول: إن عبقرية الأشياء أو العقول تنبع، إذا ما وصلنا إلى أعلى درجات الفكر والتفكير الخالص، الذي يخضع لصفاء الذهن أوّلاً، وقوة الانتباه؛ سواء من وراء كتابة قصيدة جديدة، ينطوي بها فيض الثقافة الإنسانية، وكل ما يحتويه هذا الفيض الواسع المدّ والامتداد، الذي يحتويه عبقر الفكر النيّر.