تكمن أهمية موافقة مجلس الوزراء مؤخراً، على إنشاء محطة معالجة وشبكة صرف صحي في قرية (عقربا)، في أنها لفتت الانتباه إلى الملف السوري الأشد سخونة بيئياً.
صحيح أننا نعاني التلوث في كل مكونات بيئتنا، إلا أن التلوث الأشد والأكثر خطراً، يكمن في (المنصرفات) التي نطلقها إلى الطبيعة دون معالجة، سواء كانت فضلات بشرية أم صناعية أو نفطية.
وإذا كانت الآثار الاقتصادية للحرب الجائرة التي شنت على سورية، تلعب دوراً كبيراً في جعل مقاربة موضوع معالجة الصرف الصحي وتحويل مياهه إلى مياه صالحة للري، فإن تلك الحرب لم تستثن ما نملك من محطات معالجة لمياه المجارير، بل أقبل أعداء سورية وشعبها، على تدمير تلك المحطات بحقد رهيب ومبهم…!! حطموا محطة حلب، وكانت القلب النابض لمشروع إحياء نهر –قويق- تعالج يومياً 350 ألف متر مكعب من المياه الآسنة القادمة إليها من مدينة حلب، وتطلقها لإرواء سهول حلب الجنوبية.
وحطموا محطة مماثلة في ريف دمشق ( محطة عدرا). وكانت تعالج كمية المياه ذاتها 350 ألف متر مكعب، القادمة إليها من مجارير دمشق، لإرواء 18 ألف هكتار من أراضي الغوطة ودوما.
وفي السياق ذاته دمرت كل المحطات الموجودة في المصانع والتي جرى هدمها بفعل الحرب.
إن معالجة المياه الناجمة عن الفضلات البشرية ضرورية جداً لأن تلك المياه (ولاسيما في بلد جاف مثل سورية يعاني عجزاً مائياً كبيراً يصل إلى ملياري متر مكعب في السنة)، تغري أو تجبر على الري بها، فإذا لم تغسل الخضروات التي تؤكل نيئة، وإذا لم تنقع عشر دقائق بالخل، فإنها ستتسبب بأمراض خطرة كالإسهال والكوليرا والزحار والتيفوئيد وشلل الأطفال والديدان المعوية.
ثمة عتب كبير على المجتمع الأهلي وممثليه في المنظمات الشعبية والجمعيات التنموية، لغيابه الكبير عن السعي إلى محطات المعالجة والمطالبة بها وإبداع السبل لجعلها متاحة ولعودتها لأداء دورها، (علماً أن المردود المالي لهذه المحطات كبير جداً إذ تروي فتنتج وتحمي الأراضي من الموات بسبب التملح).
من المؤسف جداً أن الاهتمام كله ينصب على التغذية والتجويد بالطعام، على حين يجري إهمال نواتج تناولنا للغذاء بحدة مرعبة وباستخفاف شديد وكأن الفضلات السائلة قادمة من عالم آخر وذاهبة إلى كوكب آخر، علما أنها أمام أعيننا تفزعنا وترعبنا يوما إثر يوم، بكثافتها وبطء جريانها وما ينبعث عنها من روائح، وما يعتمل فيها من قوارض وحشرات.
إن تفاقم أزمة المياه- العادمة- وارتفاع نسب تلوثها إلى مستويات قياسية في مجاري الأنهار، إنما هو محصلة لتعاقب سنوات الجفاف وشح الأمطار واختفاء كثير من الينابيع، كمحصلة للتغيرات المناخية الحادة التي تعصف بكوكب الأرض بسبب السعي المحموم للدول الصناعية الغنية إلى زيادة أرباحها غير عابئة بالنتائج البيئية المروعة الناجمة عن استخدام كميات هائلة من النفط والغاز والفحم الحجري في توليد الكهرباء وتشغيل المصانع وتغذية وسائل النقل باحتياجاتها، علماً أنها مسؤولة عن 70 بالمئة من التلوث الهوائي الذي يصنع الدفيئة ويرفع حرارة الأرض.
إن البيئة لا تعترف بالحدود، وهذه نقمة إضافية، إذ يصدر الملوثون ملوثاتهم إلى العالم كله..!
لقد أدرك الحكماء على الأرض، أن الوحدة البيئية العالمية تتطلب جهداً دولياً مشتركاً، ونضجت حلول عملية لعلها تنقذ كوكبنا من الاندثار المتجه نحوه، وخلال أقل من شهرين سينعقد في الإمارات العربية المتحدة، المؤتمر الدولي CO28، لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية، وأعتقد أنه في هذه السنة قد تم التوصل إلى صيغ عملية لدعم الدول المتضررة من التلوث وتمويل مشاريع مكافحة التلوث.
وسورية مدعوة للمشاركة بصفتها دولة موقعة على الاتفاقيات المناخية بدءاً من مؤتمر باريس في العام 2015، الذي اقترح صندوقا ينفق 100 مليار دولار سنوياً على البيئة الحميدة في العالم. (ومن المتوقع تفعيله هذه السنة).
إنها فرصة أن نحسن الحصول على حقنا المشروع من هذا المبلغ، لعل أحلامنا المشروعة والنبيلة تتحول إلى وقائع.