اتحاد كرة القدم يؤجل الدوري الأولمبي … اعتراضات الأندية كشفت هشاشة القرار الاتحادي … فوائد إيجابية عديدة وعثرات يمكن تجاوزها بسهولة
| ناصر النجار
كان من المقرر أن ينطلق اليوم الأسبوع الأول من مرحلة الذهاب من الدوري الأولمبي «تحت 23 سنة» لفرق الدوري الممتاز، ولكن من دون سابق إنذار أصدر اتحاد كرة القدم قراره «1449» تاريخ 22-10-2023 الذي نص على التالي:
بناء على الكتب الواردة من معظم أندية الدرجة الممتازة والمتضمنة طلب تأجيل موعد انطلاق مسابقة الدوري «فئة الأولمبي» وتغيير نظام المسابقة لتصبح مجموعتين شمالية وجنوبية بسبب ظروف الأندية المالية الصعبة، قرر اتحاد كرة القدم تأجيل الدوري الأولمبي وتغيير نظام المسابقة ليصبح على مجموعتين شمالية وجنوبية.
هذا التأجيل والتغيير يشيران بلا شك إلى ضعف اتحاد كرة القدم وعدم قدرته على الدفاع عن قراراته، وهذا يؤكد أنه غير حريص على ما يصدر من قرارات وخصوصاً أن رئيس اتحاد كرة القدم صوّر لنا موضوع الدوري الأولمبي بأنه حيوي وهو مشروعه الكروي لتطوير الكرة السورية، وسبق أن دافع بقوة عن هذا المشروع في أثناء انعقاد المؤتمر السنوي عندما اعترض بعض رؤساء الأندية في الجمعية العمومية على هذا الدوري، لكنه أصرّ عليه مبيناً الفوائد الكثيرة التي ستجنيها الأندية من هذا المشروع، وهو ما ينعكس على تطوير الكرة السورية عموماً، وبيَّن أيضاً أن الدوري لن يكون مكلفاً لأن جميع لاعبيه هم من الهواة، وبناء عليه رفع سن الرعاية إلى سن الـ23 وبالتالي فإن الأندية لن تضطر إلى توقيع العقود مع لاعبي هذه الفئة لأن أغلب لاعبيها سيكونون من صغار السن الكروية.
اليوم تغير كل شيء فخسر اتحاد كرة القدم مشروعه الذي كان سيبني عليه آمالاً كبيرة، وفسر بعض المراقبين هذا القرار بأنه مقدمة للإلغاء، وبذلك فشل مشروع اتحاد كرة القدم، أحد المقربين ألمح إلى أن الظروف اللوجستية غير مناسبة وخصوصاً جهة الملاعب، بينما قال أحدهم: اتحاد كرة القدم لا يملك قراره لأنه يراعي أنديته، ويرضخ لضغوطها وخصوصاً أن هناك بعض المتنفذين الذين يسيطرون على القرار ومصدره.
أما العذر الذي قدمته الأندية إلى اتحاد كرة القدم وهو الضائقة المالية فهو عذر غير مقبول جملة وتفصيلاً، لكن على ما يبدو فإن أنديتنا وجهت بوصلتها فقط إلى فرق الرجال وأهملت باقي الفئات وهو خطر نحذر منه لأنه سيقضي على كرة القدم إن استمر على الحال نفسه من تبادل اللاعبين وانتقالهم من ناد لآخر وقد بلغ أغلب لاعبينا سن الاعتزال.
الضائقة المالية باتت ذريعة الأندية في كل شيء لا تريده، ونحن نسأل: كيف استطاعت أنديتنا التعاقد مع أكثر من 25 لاعباً محترفاً من الخارج وبالعملة الصعبة وهي غير قادرة على دفع تكاليف الفريق الأولمبي حيث تعادل هذه التكاليف ثمن لاعب واحد، وأي تكاليف ستدفعها الأندية سوى أجور الحكام والمراقبين والمواصلات، لأن لاعبي الأولمبي مقيدون بالنادي ذاته إما على كشوف الشباب وإما على كشوف الرجال!
أيضاً نسأل عن قدرة الأندية على دفع مئات الملايين للاعبين تجاوزوا الـ33 والـ35 من العمر، وغير قادرة على رعاية كرة القدم في المهد، ما يدل على أن الفكر الكروي الذي يقود أنديتنا غير صالح لكرة القدم لأنه بهذه الطريقة لا يبني كرة القدم بل يهدمها، ونحن نتساءل: إلى متى سيخدم الجيل الحالي الأندية وكرة القدم السورية؟
قرار متأخر
في الحقيقة كانت دهشتنا لتأجيل الدوري الأولمبي كبيرة لأننا نعتقد أن قرار إقرار هذا الدوري تأخر والمفترض أن نبدأ به قبل سنوات، بل أن نلزم أندية الدرجة الأولى به أيضاً، ولكن على ما يبدو أن الأمور تسير عكس الاتجاه ولا شيء مفيداً قادماً يجعلنا نتفاءل بمستقبل الكرة السورية.
والدوري الأولمبي ليس بدعة اخترعها اتحاد كرة القدم لنسجل له براءة اختراع، بل إن هذا الدوري ممارس في أغلب الدوريات العربية والعالمية بكل القارات وله بطولاته الإقليمية والقارية والدولية، وقلنا وقتها أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، ولكن على ما يبدو من الصعب أن تصل كرتنا إلى أدنى طموحاتها.
بكل الأحوال أغلب أنديتنا لم تتقبل هذه الفكرة ونجح البعض من رؤساء الأندية بثني اتحاد كرة القدم عن تنفيذ هذه الفكرة رغم أن اتحاد كرة القدم أصر سابقاً على موقفه وطالب الأندية بالاستعداد والتحضير ووجدنا أن بعض الأندية بالفعل شكلت الكادر الفني والإداري لفريقه وبدأت بعض الفرق بالاستعداد، ولم تكن المعلومات الإعلامية عن هذه الفرق متوافرة من مصادرها.
وما علمناه من استعداد أن بعض الفرق لعب رجالها مع الأولمبي كمباراة تحضيرية للفريقين وضمن فترة اختبار وتحضير وانتقاء للاعبين، وبعض الفرق لعبت مع فرق الجوار، فتشرين فاز على جبلة 2/صفر، وخسر الساحل أمام رجال التضامن 2/3.
لكن المعلومات المؤكدة تقول إن أغلب لاعبي الفريق الأولمبي هم من فرق الشباب أو من الدكة الاحتياطية لفرق الرجال، لذلك فإن أغلب اللاعبين ملتزمون مع فريق الشباب الذي يخوض الدوري الخاص به أو مع فريق الرجال، لذلك فإن اللاعبين جاهزون فنياً وبدنياً والمشكلة هي بعملية تفاهم اللاعبين وانسجامهم وتناغمهم مع الكادر الفني والإداري.
وحسب هذه الصورة السابقة فإن أغلب هذه الفرق جاهزة من جاهزية فرق الشباب والرجال ولم نكن نشعر أن هناك في الفترة الأخيرة ما يدعو إلى إلغاء هذا الدوري، لكن الساعات الأخيرة حسمت الموقف فسقط قرار اتحاد كرة القدم كما سقط غيره سابقاً، ونؤكد أن التأجيل هو مقدمة لإلغاء هذا الدوري في هذا الموسم وإعادة دراسته من جديد.
الموضوع الآخر الذي يمكن الحديث عنه هنا أن توزيع الأندية على مجموعتين هي فكرة غير ناجحة، لأن الدوري المجزأ غير مجد بسبب ضعف المنافسة وقلة عدد المباريات وبالتالي لن يكون بالفوائد المطلوبة، وعلى كل حال ضمن هذا الإجراء والتأجيل والتقسيم فإن إلغاء الفكرة من أساسها هو الأفضل من إقامة دوري أعرج.
فوائد عديدة
سواء أقيم الدوري بعد التأجيل بشكل كامل أم تم توزيع فرقه على مجموعتين فلابد من ذكر العديد من إيجابيات هذا الدوري وسلبياته، فلكل شيء وجه حسن وآخر غير ذلك، ونعتقد أن الإيجابيات أكثر من السلبيات ونرجو أن تزول كل العثرات التي تواجه هذا الدوري وقد بدأت بالتأجيل والتقسيم.
في أهم الإيجابيات احتواء جيل كامل من اللاعبين الذين كانوا يتسربون خارج أنديتهم بسبب انتهاء فترة الشباب، فالعمر بين الشباب والرجال هو مفقود، وعندما يصل اللاعب إلى سن الـ19 قد لا يجد مكاناً له في فرق الرجال إن لم يكن بارزاً وموهوباً، لذلك إن هذا الجيل إما أن يلجأ إلى فرق الدرجة الأولى وإما إلى ملاعب الأحياء الشعبية، أو إن بعضهم يهجر كرة القدم نهائياً، وبهذه الطريقة فإننا في كل موسم نخسر جيلاً بأكمله وهذا أحد أسباب تدهور كرة القدم وتدميرها في الأندية، وعلى سبيل المثال فإن متوسط أعمار لاعبي أنديتنا هم بحدود الثلاثين عاماً، أي إننا بلغة العمر الافتراضي للاعبي كرة القدم في بلادنا نقول: كرتنا بلغت سن الشيخوخة وهرمت، وكما لاحظنا فإن لاعبي الخبرة مسيطرون على أنديتنا من دون أن يكون هناك تجديد لعدم توافر البديل، والدليل على ذلك أن منتخبنا الوطني يضم في خط الدفاع مع لاعبي الارتكاز لاعبين تجاوزوا الثلاثين من العمر بسنوات، وذلك لعدم وجود بدائل مناسبة من الأجيال المتتالية التي أُهملت ورُمي بها خارج ملاعب الأندية.
إذاً مشروع الدوري الأولمبي هو مشروع حيوي لأنه يجدد دماء كرتنا ولأنه سيكون الرافد الرئيس لأنديتنا وكرتنا.
ومن فوائده أيضاً أنه يخفف من تغول الاحتراف وسيطرته على العقود، فعندما تكون الخيارات قليلة ترتفع الأسعار بشكل غير مسبوق، وعندما يكون للنادي عدد جيد من اللاعبين الشباب ومن هم بسن الأولمبي وقد تمرسوا وصقل الدوري موهبتهم وقواهم فستكون خياراته مفتوحة وسيعتمد على أبنائه أولاً ويتعاقد مع عدد محدود من اللاعبين من خارج النادي ممن هو بحاجة إليهم، الاحتراف في المواسم الماضية سيطر على الأندية بشكل أعمى وأفرغ خزائن الأندية التي باتت تستجدي المال من محبيها وداعميها لدرجة أن الحلول قد أغلقت بوجه الكثير من الأندية وموسمنا الحالي خير دليل على ما نقول وسنشهد «تعري» بعض الأندية لأنها فقدت وستفقد الكثير من داعميها الذين ملوا الإنفاق، وهو دليل آخر على أن أنديتنا لا تقوم على أسس صلبة من الموارد والاستثمارات والريوع، فالاعتماد على أبناء النادي يوفر على الأندية الكثير من المال الاحترافي الذي يصرف من دون أي طائل أو فائدة.
من جهة أخرى فإن الدوري الأولمبي سيعيد للأندية هويتها الحقيقية، وسنشعر أن لاعبيها باتوا يدينون بالولاء لفرقهم فهم ينتمون إليها قولاً وفعلاً وهذا ما خسرته أنديتنا في زمن الاحتراف الأعوج، حيث بات انتماء اللاعبين إلى المال أكثر من انتمائهم للنادي.
لذلك فإن ولاء اللاعب للنادي يجعل منه منافساً شرساً ومدافعاً قوياً عن اسم النادي ولونه وهويته وشعاره، وأخيراً من فوائده أن القائمين على المنتخب الأولمبي سيتابعون كل المباريات وجميع اللاعبين وصولاً لتشكيلة مثالية تضم أفضل اللاعبين بهذا العمر الكروي.
سلبيات الدوري
من السلبيات التي قد تظهر لنا اهتمام الأندية وهو متعلق بمنظور إدارات الأندية وتقبلها للفكرة بشكل جدي والعمل على دعمها وإنجاحها، فإذا تعاملت الأندية مع هذا الدوري ببرود فإن الدوري لن ينجح لأنه لن يحقق المطلوب منه، وهذه أهم سلبية، والأمل أن نجد تعاوناً كاملاً من جميع الأندية لتتبلور هذه الفكرة بشكل جيد.
من السلبيات التي ستعترض هذا الدوري هو توافر الملاعب، فستكون هناك مشكلة في الملاعب وهي معاناة جميع الدوريات بكل الفئات والدرجات، وهنا على اتحاد كرة القدم أن يتدخل بحكمة من أجل تسطير مواعيد ملائمة ومتكافئة للجميع.