إنَّ الأدب يُمثّل وجه الماضي الحضاريّ وصوت الحاضر ونطقه الجماليّ وهو يُشكل صيرورة من الإبداع، صيرورة من الإلمام بكلّ أبعاد الثقافة، وما يحتويه هذا المفهوم الممتدّ عبر تاريخ الأدب، عبر الماضي والحاضر، وعبر الالتزام بأبعاد هذا النهج الإبداعيّ، لكنّ قراءة مفصلات هذا الماضي، هل تفيد؟! هل تحل المعضلة والمعادلة في أزمنة البقاء ضمن محدودية الارتقاء الثقافيّ معاً؟!
هناك من يقول: يجب علينا أن نعشق الفعل المضارع بكلّ تجلياته، بكلّ صوره وعناوينه الواقفة على بوابة وقتنا الحاضر.
قبل أن نستقرئ الماضي والحاضر، يجب أن نعي أوّلاً، وقبل كلّ شيء، فنون القراءة وأدبيات الإصغاء، أدبيات المراهنة على استلهام جماليات الماضي، وليس استحضار وجهه القبيح. هناك من يؤمن بأن الماضي ذاكرة وجوديّة، وعلينا احترام هذه الذاكرة بكلّ تجلّياتها، بكلّ معاييرها وقواميسها. هذا صحيح، وعلينا التمسك بعروته، لكن قد تنهدم هذه الصورة لأي ماضٍ، مهما كان جميلاً، عندما يكون بهذا التاريخ أو ذاك دخلاء غير شرعيين، غير أخلاقيّين- دخلاء على الزمن؛ من حيث لا نحتسب- أو من حيث لا يحتسب هو، ولا حتّى نحن، دخلاء، والداخل خطأً، لا ضير ولا خوف منه؛ لأن خروجه حتمي المصير، وهنا نحاول القراءة بعمق وشمولية أكثر، نحاول العبور إلى زمن القراءة، الزمن الذي يجب عليه، وقبل كلّ شيء، إدخال كلّ ما نقرأ إلى مختبرنا العقلانيّ؛ فكلّ منا في هذا المختبر، يمتلك ناصية الاختيار، بين لوني الأسود والأبيض، كلّ منا يؤمن بفلسفات وآراء خاصّة به، كيف نستقرئ علوم اللغة وأسرار هذا البحر العظيم؟! كيف نبحرُ على متن الحرف، على متن إعادة قراءة الأدب بصورة صحيحة، والاستفادة من عبقريات الماضي والحاضر معاً، هنا المعادلة الجديّة، التي يجب أن نختار، وبكلّ صدقٍ وأمانة، يجب أن نسأل: أيوجد في الأدب نظرية ماضٍ اندثر؟! نظرية اندثار الشيء، ذهب مع الريح، مع لغات لفظية القول غير متزنة الأفعال، كيف نبرمج نظريات الأدب القديم الحديث؟! وتلك النظريات، هل تحتاج منا إلى مقررات من المعرفة البحثية؟! المعرفة التي تخضع لقوانين البحث الأدبيّ، ومذاهب الإبداع بمختلف جوانبه. كيف نستقرئ أزمنة الوقوف على الأطلال، يقال دائماً: لكلّ عصرٍ أدبه، ولكلّ عصرٍ مبدعوه. ولكن هل نستقرئ تفاصيل الصورة الثقافيّة كما هي؟! ونحلل ماهية أبعاد كلّ ما كتب، والأدب هنا، هل يستعير من التاريخ دوره، ولكن بصورة أجمل وأعمق من حيث شمولية البعد الجماليّ، الذي يمتلكه الأدب.
كيف نستقرئ، كلّ ما كتبته العصور، وكلّ ما احتوته العقول؟! ويبقى السؤال: كيف نستقرئ هذا كلّه؟! وكيف ندور حول الرموز والشموس، التي كانت متوهجة ذات يومٍ؟! ذات زمنٍ، لا نكاد نعرف ملامحه، إلا من خلال أدبياته وأشعاره ودراسته.
زمن يأتي نبضه إلينا من خلال ما أرّخ في تجليات أيامه، في زمن رباعيات عشقٍ لأدبٍ ما، ومثلثات مودة لزمن الأدب القويم..
الأدب الذي يتكلّمُ عن مفصّلات أمرٍ، في كلّ ما نراه فكريّاً.
ذلك الأدب، الذي يجب أن يكون الأقرب إلى يومياتنا، وإلى ثقافتنا، وإلى شيء نحلم بهه. كلّ شيء نحلم به، ونقف على حدود الاعتبارات الجماليّة بالنسبة إليه.
من قال إن الوقت لا يتسع لاستلهام بُعد مسترحب الأبعاد والانطلاقات إلى ماضٍ من أدبٍ، أبقى لها الزمان ذاك التوهج، وألقت بروحها المتوهجة عليه، ألقت بسلام بدوام الصيرورة النابتة على وجه الأيام؟!
من قال إن الأدب ليس تاريخاً جميلاً من جماليات البُعد الفكري والثقافيّ، لكلّ ما نحلم ونصبو إليه؟!
وقراءات تُخلد لنا تواريخ الأدب بين الماضي والحاضر.