«إميل»، طفل فرنسي يبلغ من العمر سنتين كان قد فقدَ من أمام منزلهِ في قريته الجبلية جنوب فرنسا في شهر تموزَ الماضي، يومها استنفرت قوات الأمن والشرطة ومئات المتطوعين للبحثِ عن الطفل باستخدام كل الأجهزة والمعدات الحديثة والمروحيات والكلاب البوليسية، لكن مساعيهم لم تأت بنتيجة إلى أن تم الإعلان عن توقف عمليات البحث.
كانت قصة الاختفاء لغزاً محيراً إذ لم يكن هناك ما يثبت حدوث فعلٍ جنائي في تلك القرية الوادعة ذات التضاريس الصعبة، بالسياق ذاته فإن والدا الطفل لا يعانون من مشاكلَ نفسية أو مالية قد تودي بهم للتخلصِ من ولدهم والنتيجة كانت طي صفحة القضية.
قبل الأمس وخلال قيامهم بمسيرٍ جبلي ترفيهي اكتشفَ مجموعة من الأشخاص بقايا عظام صغيرة، ولأن القضية لم تُنس بعد راودهم الشك فقاموا بإبلاغ الشرطة التي جمعت بقايا العظام لتثبت التحليلات بأن بقايا هذه العظام تعود للطفل إميل فعلياً، لكن هذا الاكتشاف عقَّد القضية أكثر من حلحلتها، فلو تم قتل الطفل رحمة اللـه عليه، ودفنه من قبل القاتل لتم العثور على هيكل عظمي كامل، أما الأمر الأهم فإن هذه البقايا تم العثور عليها على بعد كيلومترين فقط من منزل الضحية وهي حكماً منطقة كانت قد شملتها عمليات البحث فكيف لم يتم العثور على الجثمان؟
هذا الفشل طرح الكثير من التساؤلات، بما فيها دواعي وجود أجهزة متطورة ومكلفة وكلاب مُدربة كانت كقلتها عند الحاجة لها، لدرجة أن أحد السيناريوهات المقدمة حالياً والتي تغطي على كل هذا الفشل أن حيواناً مفترساً ربما قام باصطياد الطفل وسحبهِ إلى مكان صعب الوصول إليه وبقايا العظام تلك لم تكن مدفونة بل حملتها الأمطار الغزيرة، قد تكون رواية مقبولة، لكن ما يهمني من فكرة هذه الحادثة هو مقاربتها مع حادثة اختفاء الشاب قيس رحمه الله، في مغارة عين الدلبة، فخلال عمليات البحث وانتظار أخبارٍ مفرحة عن عودته سالماً، كنا نشاهد الكثير من الصور التي تجعلنا نفخر بالانتماء إلى هذا الشعب، بعض المتطوعين كانوا يدخلون إلى المغامرة ولا يعرفون إن كان سيعودون وغيرها الكثير من حكايا التكافل والتضامن، مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبة منطقة البحث وخطورتها والتي لا تُقارن بمثيلتها الفرنسية، لكننا بالوقت ذاته كنا نقرأ لبعض الأمعات الذين يريدون جلدَ وطنهم تحت أي ذريعة، بسبب أو من دون سبب، بطريقة أكثر دونية من طريقة المعارضات في الخارج تحديداً أولئك الذين يدَّعون الفهم بكل شيء، الرياضيات، فن الإنقاذ، الزراعة، الجيوبوليتيك وحتى الكاراتيه، لم يتركوا جهداً مبذولاً إلا وانتقدوه واستصغروه ربما لأن الصغير يرى كل شيءٍ على شاكلته، هؤلاء عليهم أن يفهموا مقولة «الحذر لا يحمي من القدر»، لكننا نتمنى أن يأتي يوم ويريحنا القدر من خزعبلاتهم، لأن من يظن بأن السخرية من إمكانيات بلده واللعب على مشاعر الناس يجعل منه شخصية فيسبوكية مشهورة سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه حجم دونيته، فالوطن حتى لو كان رماداً لا يمكن جعله مادة للسخرية!