منذ جريمة العدوان الإرهابي الذي ارتكبه الكيان الإسرائيلي في الثالث من شهر نيسان الجاري على القنصلية الإيرانية في دمشق وإعلان قادة إيران الرد عليه، استمرت حرب التهديدات الأميركية على إيران تتوالى لكي لا تقوم بالرد وكان آخرها قد جاء على لسان الرئيس الأميركي جو بايدين في مساء يوم الجمعة الماضية حين وجه خطابه لإيران قائلاً: «لا تفعلوا ذلك ونحن سنساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وهو الخطاب المباشر ذاته الذي وجهه لإيران دون أن يذكر الاسم حين أرسل حاملتي طائرات أميركية بعد أسبوع من عملية طوفان الأقصى إلى البحر المتوسط ثم عاد وسحبهما فيما بعد.
ويبدو أن ما يمكن استنتاجه من هذا «التحذير» يتعلق بطمأنة الكيان الإسرائيلي وإبلاغه رسالة أن الولايات المتحدة ستحاول العمل على ردع إيران عن توجيه الضربة الإيرانية من جهة والاستعداد للمساعدة في الدفاع عن أجواء إسرائيل من الصواريخ الإيرانية من الجهة الأخرى حين تنفذ ضربتها الصاروخية المباشرة المحتمة. وأعدت واشنطن نفسها للتصدي بدفاعاتها الجوية المنتشرة بالمنطقة للصواريخ الإيرانية، ولا شك أن واشنطن كانت تدرك أن الطريقة الوحيدة للرد الإيراني المباشر ستتخذ هذا الشكل الصاروخي، وهذا الدور الأميركي في الدفاع عن إسرائيل هو الذي نفذ بموجب ما أعلنت واشنطن أول أمس بأن دفاعاتها الجوية المنتشرة في المنطقة تمكنت من اعتراض عدد كبير من الصواريخ الإيرانية ومنع وصولها إلى الكيان الإسرائيلي، واعترفت المصادر الإسرائيلية الرسمية بالمقابل بدور الحليف الأميركي في تحييد عدد من الصواريخ الإيرانية عن الوصول إلى أهدافها، ويبدو أن الوضع الجيوإستراتيجي في المنطقة بدأ يطرأ عليه تغير يمكن أن يتخذ شكلاً يطلق عليه «مرحلة ما بعد الرد الإيراني»، وهي مرحلة تتميز بالنسبة للولايات المتحدة بأولوية الانتخابات بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدين والتي تفرض عليه عدم التصعيد ضد إيران، وكبح الكيان الإسرائيلي عن أي رد يؤثر في أولوية بايدين كما أن العالم لا يستطيع تبرير حرب أميركية مباشرة ضد إيران لأنها ردت على جريمة استهداف قنصلية دبلوماسية إيرانية ولذلك تفضل واشنطن غالباً فبركة أو إيجاد مبررات تتناسب مع تبرير حروبها المباشرة، فهي حين قررت احتلال العراق عام 2003 أعدت فبركات تتهم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بامتلاك أسلحة دمار شاملة نووية وكيماوية وبهذه المبررات الواهية جمعت دولاً كثيرة تشارك معها باحتلال العراق، ولا أحد يشك أن تل أبيب ولدت للغرب كله وليس للولايات المتحدة وحدها أزمة رأي عام عالمية اجتاحت تنديداته بمذابح إسرائيل العالم ولم تستطع حكومات هذه الدول تبرير هذه المذابح أو منع محكمة الجنايات الدولية من محاكمة إسرائيل وإدانتها بارتكاب جرائم حرب.
ومن ناحية أخرى تجد واشنطن نفسها الآن أمام مهمات عاجلة وإستراتيجية لمحاصرة الصين وخاصة في هذه الأوقات التي عقدت فيها قبل أيام اتفاقات دفاع مشترك مع اليابان والفيليبين، وعملت خلالها في الوقت نفسه على تجنيد دول آسيوية ضد الصين، ولذلك يرى بعض المحللين الأميركيين أن تورط واشنطن بحرب مباشرة عسكرية ضد إيران ومضاعفاتها في منطقة الشرق الأوسط لن يكون وقتها المناسب الآن بحجة حماية كيان إسرائيلي تهتكت شرعيته أمام العالم كله بسبب جرائمه وأصبح من الصعب الدفاع عما ارتكبه من انتهاكات كان آخرها قصف مقر دبلوماسي إيراني، وقد ترى واشنطن في هذه المرحلة أن أفضل طريقة لدعم حماية ووظيفة واستمرار وجود هذا الكيان هي تجاوز هذه المرحلة من دون حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط بانتظار توقيت ومبررات أخرى تتناسب مع سهولة تجنيد دول غربية كثيرة على غرار ما جرى ضد العراق عام 2003، ففي أوروبا دول أصبحت ترغب في أن يفرض المجتمع الدولي على إسرائيل التوقف عن جرائمها والموافقة على السماح بإنشاء دولة فلسطينية بدأت الدعوة للاعتراف بها تزداد، وفي ظل كل هذه الظروف لا ترى واشنطن أن الوضع يتيح لها فرصة لشن حرب مباشرة على إيران ولذلك فضلت تأجيلها والتفرغ لاستغلال دورها في المنطقة بطريقة تحافظ فيها على الدور الإسرائيلي والعمل على توسيع دائرته باسم كبح التصعيد.