العنوان مأخوذ من مسرحية للكاتب الأميركي تنيسي ويليامز: «قطة فوق سطحٍ من الصفيح الساخن»، والصفيح الساخن هنا تقبع عليه شعوب لا تتمكن من القفز من سخونته والتهابه، والذين يضعون الشعوب على الصفيح الساخن هم من يُقتلون ويتقاتلون دونما اهتمام لاستغاثات ضحايا الصراع من نساءٍ وأطفال وشيوخ.
يشهد عام 2024 توترات وقضايا مفتوحة وملتهبة في بقاع مختلفة؛ أزمات وحروب تمثل عبئاً كبيراً وثقيلاً للبشرية، وهو ما يجعل 2024 عاماً مليئاً بالتحديات والقضايا الملتهبة العالقة من دون حلول جذرية.
غزة في مرمى نيران آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة، والسودان فريسة «الحرب الأهلية»، والحرب الأوكرانية مستمرة، ومتحورات كورونا تأبى الرحيل، والاحتباس الحراري وتغيرات المناخ تهدد البشرية، إضافة إلى سباق التسلح وأخطاره، كل ذلك يضع العالم على سطح صفيح ساخن.
في 7 تشرين الأول 2023 بدأت عملية «طوفان الأقصى» الفدائية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي رداً على الانتهاكات الإسرائيلية لقطاع غزة المحاصر، وكان الرد الإسرائيلي بفتح النيران على المدنيين والأطفال، واستهداف المنازل، في انتهاك فاضح لكل القواعد الإنسانية، وتواصل الاحتلال ممارسات جرائمه بالإبادة الجماعية للفلسطينيين.
الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة مدعومة بمباركة أميركية مطلقة تراوحت بين جسر الإمداد بالسلاح المتطوّر وسيل «الفيتوات» في مجلس الأمن الدولي للمحافظة على قوة دفع المخطط الصهيوني الإجرامي!
بمرور الوقت طرأت اعتبارات جديدة تعدّل «قواعد الاشتباك» ومنها:
1- الضيق داخل إسرائيل، وتحديداً عند أهالي المختطفين الذين أخذ يزداد قلقهم مع بقاء حكومة بنيامين نتنياهو، والتصعيد عبر التظاهرات والاعتصامات.
2- متابعة العالم بأسره النقل الحيّ لـ«حرب التجويع» والقصف الوحشي والمناظر المأساوية للضحايا المدنيين الفلسطينيين.
3- ظهور بوادر «إحراج» خجول لدى إدارة الرئيس جو بايدن، ولاسيما في ضوء المعارضة الصريحة للعرب والمسلمين الأميركيين، ناهيك عن أفراد التيارات الليبرالية والتقدمية، في ولايات انتخابية محوَرية خلال سنة انتخابية أميركية وتزايد السخط داخل العالم العربي.
هذه الاعتبارات حتّمت إجراء «تعديل ما» في قواعد الاشتباك، تحت سقف المرجعية المطلقة للقرار الأميركي المنحاز لإسرائيل.
العدوان الإسرائيلي النازي على الشعب الفلسطيني وضع منطقة الشرق الأوسط كلها فوق صفيح ساخن، والخيارات أصبحت مفتوحة أمام الاحتمالات كافةً.
حاول الكيان الصهيوني التمرد على إحساسه الداخلي بالهزيمة، فقد بادر يوم 1 نيسان 2024 بقصف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ما أسفر عن استشهاد 13 شخصاً، منهم قادة عسكريون إيرانيون، في عملية إرهابية، خرقت سيادة دولتين عضوين في الأمم المتحدة ومرّت من دون إدانة من مجلس الأمن الدولي؛ حيث عرقلت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا البيان الذي قدمته روسيا.
جاء الرد الإيراني المدروس بعناية فائقة، لأن طهران تتقِن لعبة التوازنات الدولية، ولا ترغب في جر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، غير أنها لن تتردد في الدفاع عن سيادتها.
من جهة أخرى السودان وقع في فخ «الحرب الأهلية» وبدأت المواجهات العسكرية بين الطرفين العسكريين، وكغيرها من الحروب التي تنشب داخل المدن يدفع ثمنها دائماً المدنيون الأبرياء تحت وطأة القتال المستمر.
بالنسبة للحرب الأوكرانية، في شباط 2022، بدأت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، رداً على محاولات أوكرانيا الانضمام لحلف «ناتو»، الذي اعتبره الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، تهديداً لأمن بلاده، ووصف التحرك وقتها بأنه «مهمة لحفظ السلام».
فشلت الجهود الدولية في إنهاء الصراع، ومازالت الحرب تقرع طبولها في قلب القارة العجوز.
العالم يرى أن الحرب الأوكرانية نشبت بسبب التهديدات أو رغبة في تمدد حلف «ناتو»، وهناك أسباب أخرى منها الصراع على سيادة العالم ووضع حد لهيمنة القطب الواحد، وأصبحت أوروبا على أعتاب متغيرة مختلفة بسبب هذه الحرب وتبعاتها وأولها حرب الطاقة.
من جانب آخر، لا يمكننا أن ننسى ما عاناه العالم من كوفيد 19 «الجائحة الأقسى في الألفينيات التي اجتاحت العالم نهاية عام 2019، وأسفرت عن ملايين الوفيات، وأجبرت الحكومات على اتخاذ إجراءات احترازية قاسية، وأغلقت الدول مطاراتها أمام السياح، فيما استمرت حالة الإغلاق لمدة شهور متواصلة.
تمكنت اللقاحات من تخفيف حدة الأعراض، وبدأت الحياة تعود تدريجياً لطبيعتها، إلا أن فيروس كورونا مازال موجوداً معنا، لكنه أصبح أقل حدة في متحوراته الجديدة، ويستمر عام 2024.
الأحداث والتغيرات المناخية لها دورها في تغير خريطة العالم وتوقع أحداث تغييرات كبيرة خلال السنوات المقبلة ما يجعل العالم يدق ناقوس الخطر للأخطار التي يتوقع أن تنتج عنها، قد تهدد حياة السكان منها الأعاصير والفيضانات والزلازل والجفاف وارتفاع في درجة حرارة الأرض، ما يجعل العالم على صفيح ساخن يوشك أن ينفجر في أي وقت.
وهناك سباق التسَلُّح العالمي الذي يكتسب زخمًا غير محدود، السباق لم يَعُد برياً أو بحرياً أو جوياً، وإنّما بات سباقًا لعسكرة الفضاء من حولنا، والاستعدادات ماضية لمرحلة حروب الفضاء، والعودة إلى برامج حرب الكواكب أو النجوم.
من جهة أخرى هناك الأزمة القديمة المتجددة بين الصين وتايوان، في إصرار الصين على مبدأ الدولة الموحّدة الذي تضعه شرطاً في علاقاتها الخارجية واتفاقاتها الاقتصادية، أضف إلى ذلك الصراع الكامن بين الكوريتين، والاستقطاب الشرقي والغربي الملازم له.
مقابل هذه الأحداث الخطرة في العالم، تبدو الإدارة الأميركية الحالية ضعيفة وتمارس دور شرطي العالم، وبإثارتها للأزمات والفتن، والحرب في أوكرانيا تعكس تلك الحقيقة، فلولا إصرار حلف «ناتو» ممثلاً في زعامته الأميركية على ضم أوكرانيا إلى قائمة أعضائه، لما وجدت روسيا مبرراً لإشعال الحرب، ولم تغب الدبلوماسية الأميركية عن مشهد الصراع الصيني- التايواني بشكل خاص، أما صراعات الشرق الأوسط كلها فإنها تحمل بصمات أميركا الاستخباراتية، على حين تقوى أذرع المقاومة الوطنية في فلسطين وبعض الدول.
بالنسبة لأوكرانيا فإنها لم تُفلِحْ في تحقيق انتصارات ضد القيصر بوتين، ويبدو أن أميركا وحلفاءها سيقدمون المزيد من الأسلحة المتقدّمة لاستنزاف روسيا، في هذا السياق، سيكون للرئيس بوتين ردًّا مزلزلاً، وخاصة إذا كان الأمن القومي لروسيا مهدَّداً، أو استشعر الجانبُ الروسيّ أن هناك مهدِّدات حقيقية لبقاء الدولة، أو تعَرَّضتْ بعض منشآت روسيا الحيويّة لخطرٍ داهم، قد توجه روسيا صواريخَها الفَرْط صوتية، أو تَطَوَّرَ المشهدُ وتستخدم قنابل تكتيكيّة نوويّة، وستكون هذه هي بداية النهاية والدخول في مرحلة الصراع النووي الذي يعد أحد أخطر الكوابيس التي تَقُضُّ مضاجع العالم.
حرب غزة تؤثر مباشرة على مجمل العالم العربي، وتضعه على صفيح ساخن جداً مع مشهد الجرائم الإسرائيلية التي من شأنه أن يسهم في تنامي تيارات الغضب والإحباط في العالم العربي ما قد يؤدي إلى تفكيك نسيج «معاهدات السلام» لبعض الدول العربية مع إسرائيل «برعاية أميركية»، كما قد يؤدي إلى وضع اتفاقيات التطبيع على المحك في وقت تتجه فيه الحرب على غزة إلى الخروج من إطارها الجغرافي، ليبقى العالم فوق سطح من الصفيح الساخن.
وزير وسفير سوري سابق