محبرة الأيام
| منال محمد يوسف
ما بين القلم ونون الحياة هناك حكاية أمل نكتبها، وعلى دروبها نسيرُ ونحملُ مُشكاة المعرفة أولاً، ونستضيء بوهجٍ طالما كنّا من عشاقه عشّاق أقلامه، عشّاق «نون الحياة أو الارتقاء الذي ننشده جميعاً» ما بين القلم ومحبرته الجميلة.
قد تسمو عظمة الشجون، ويزهر الإلهام، إلهام الشيء الجميل ونُلقي ذواتنا بمحبرة أقلامنا، نُلقي صدق المحبّة وزهر عيدها وعطر وعدها، ونرحلُ إلى تلك المحبرة التي نعشق «محبرة الأيام ربّما» أو محبرة الزمان الذي ننتمي إليه.
ننتمي إلى جرحه الوثيق العُرى وكأنّه لغة أخرى نُقيم على شطّ بحرها ونبحثُ عن زُمردها البهي.
تلك المحبرة التي تكتبُ وجدانيّات ذواتنا العارفة، وجدانيات القلم ونون الإبداع وما أجمله، ما أجمل أن نلتقي بها أو نمتلك ناصية الكتابة بها، وأن نسطّر بالتالي بعضاً من ذواتنا الباكيات أو الحالمات، ونسألُ أيجوزُ لنا أن نرتّل «أناشيد الأدب وفصاحته» في زمن الوجع الحقيقيّ؟ في زمن الجراح ومحبرته؟
محبرة الزهر الذي يُعاني ربّما ظمأ ما، يُعاني مما تنبض قلوبنا به.. ما بين القلم ونون الكلام «الكلام الطيّب ورحيقه المُستدير»، وما بين وهجه وأزاهير نجواه نحاول أن نُسطّر علامة نور، علامة انبثاق جديدة تحمل لنا عطر الإبداع أو عطر الحياة، وتزرعُ أزاهير بين الصفحات خصوصيّتها الأدبية.
ما بين القلم ومشكاته الصُغرى والكُبرى نحاول أن نستمسك بعرى الكتابة المُثلى ونستقرئ أقاويل بلاغيّة الحال والأحوال ونحاول أن نستقرئ بوارق الذوات الشعرية، بوارق الجمال وفيض ودّه وعذب كلامه، وقصائد مشغولة بعذوبة وقته الجميل.
ما بين القلم ونون الأمل، قد نُسطّر روايات ونبحثُ عن أبطالها وعن رتقٍ آخر، يُزيّن لنا قزحيّة الأيام العابرة، يُزيّن حالها المستعر نوراً أو أدباً. المستعر لغات تزهرُ بلاغة تُشبه الحياة، تُشبه فيض جراحاتها، ونور آدابها، تشبه لغات تتحدّث في ما تتحدّث عن بلاغة الأدب وروحانية كلّ محبرة مميّزة الإبداع.
ما بين القلم ودروب ليله ونهاره… قد نكتبُ، قد نزرعُ جمالاً آخر ونمتطي صهوة الحقيقة، صهوة الكلمة ونُسافر على جنحها، «جنح الحياة» الحياة التي نكتبها بأقلامنا نحن.. ونلقي بمشكاة من نورٍ، من قبسٍ يكتبُ هويتنا نحن، ويعبرُ بنا إلى الضفة الأخرى، إلى ضفاف لا نملك إلا لغات الحلم بها، ورسم وهجها، رسم حالها الجمالي وحال تلك الحياة المُستحق عشق جمالها وتصويره من خلال كلّ ما نكتبُ.
ما بين القلم ونون الإمضاء نون الإنشاد بلغة تُشبه ربّما ذواتنا المنسيّة، ذواتنا التي تبحثُ عن أرغفة المحبة، عن سلسبيل الماء الأول والطوفان الأخير هذا… ما بين القلم ونون الحياة «نون الإبداع»، نون الشيء الجميل الذي نحاول أن نحلم به، ونسطّره بين القول البلاغيّ ولحنه، بين عروة مجده وزهره، بين فضاءات قد نرحلُ إليها من خلال أقلامنا نحن، أقلامنا التي تكتبنا مرة أخرى، ونكتبُ فصولها رواية نعشقها.
رواية تشهدُ على أن أقلامنا ما زالت تنطق وتزهر لغاتها، تزهر بذلك البياض الذي يُشكّل فيض محبرتها ويكتبنا بجمالٍ آخر، يشبه القلم ونون الحياة أو الإبداع وسرّهما العظيم.