بالون أوكرانيا باختراق كورسك مجرد عرض على الهامش
| تحسين حلبي
مجلة الأبحاث الصادرة بالإنكليزية «ريسبونسيبيل ستيتكرافت» نشرت في 15 من شهر آب الجاري عدداً من الآراء التي أدلى بها بعض المختصين في السياسة الإستراتيجية الدولية والحروب حول اختراق القوات الأوكرانية للحدود الروسية واحتلال بعض بلداتها الروسية في السادس من آب الجاري وسألت: «ما الذي يعنيه الاختراق الأوكراني إلى داخل روسيا»؟ فقدم البروفيسور الأميركي في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، وهو من أشهر المنتقدين للسياسة الأميركية، رداً يؤكد فيه أن: «الاختراق الأوكراني للحدود الروسية والسيطرة على مدينة كورسك يعد خطأً إستراتيجياً فادحاً وسوف يعجل في هزيمة أوكرانيا، فالعامل الأساسي في النجاح في أي حرب استنزاف تشنها أوكرانيا على روسيا يحدده معدل الإصابات التي يحققها أحد الطرفين وليس احتلال الأراضي الذي يثير هوى المعلقين، ولا شك أن معدل ما يحققه الطرف الروسي من الإصابات البشرية ضد الهجوم الأوكراني على كورسك يفوق بشكل حاسم ما يحققه الأوكرانيون لسببين: الأول لأن الجيش الأوكراني لم يسبب نسبيا سوى خسائر بشرية قليلة للروس، لأن الجيش الأوكراني يدير عملياً منطقة ليست من دفاعات، وثانياً: قامت روسيا بسرعة كبيرة عندما وقع الهجوم بإحضار قوة جوية مكثفة لمجابهة القوات الأوكرانية المتقدمة التي كانت مكشوفة ويسهل ضربها، ولم تتوقع القوات الأوكرانية المهاجمة أن تتكبد خسائر بشرية كثيرة ويُدمر عدد من معداتها وعرباتها»، ويضيف ميرشايمر إن «ما زاد السوء أكثر على أوكرانيا هو أنها استحضرت من أجل مهاجمة كورسك قوات من جبهتها الشرقية وهي بأمس الحاجة لبقائها حيث كانت، لكن أحداً لا يشك بأن الروس فوجئوا بالفكرة الغبية الأوكرانية لمهاجمة كورسك واحتلالها».
وبالاتجاه نفسه ترى مديرة الأبحاث في «معهد الأفكار الأميركية» ومؤلفة كتاب «مصادر الهجوم الروسي» سومانترا مايترا أنه «إذا أرادت أوكرانيا نقل الحرب إلى داخل حدود روسيا لكي تفرض عليها التفاوض من موقع قوة فسوف تفشل ببساطة لأن أوكرانيا لا تملك قوة بشرية للحفاظ على هذا الاحتلال وما بعده، وما حققته أوكرانيا من هذا الاختراق مجرد إنجاز جيد للعلاقات العامة للأطراف التي تدعم أوكرانيا في الغرب».
وتعتبر مايترا أنه «إذا ظهر تقصير في التفكير الإستراتيجي الروسي السوفييتي، وقلة كفاءة، إلا أن التفوق الروسي في الأرقام سيظل قائماً، ومع ذلك سيؤدي هذا الهجوم الأوكراني إلى تشدد الموقف الروسي وتعزيز رأي المتصلبين في الحكومة الروسية وإلى تراجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أي مفاوضات وخاصة بعد انتخاب الرئيس الأميركي في تشرين الثاني المقبل».
ويرى البروفيسور في الشؤون الدولية في جامعة ييل الأميركية ستيفين والت أن «هذه العملية الحربية داخل روسيا مجرد عرض على الهامش هدفها رفع المعنوية الأوكرانية ودعوة الغرب إلى الثقة بأوكرانيا ودعمها، لكن ذلك لن يؤثر على نتيجة الحرب، وإذا كان الاوكرانيون قد سيطروا على 1000 كم مربع لا وجود لتحصينات قوية فيها، فهذه الألف لا تشكل شيئاً من مساحة روسيا التي تبلغ 17 مليون كم مربع، في حين أن روسيا تسيطر على 20 بالمئة من مساحة أوكرانيا، ومع ذلك ربما يشكل احتلال قوة أوكرانية لأراضٍ روسية نوعا من الإحراج لبوتين لكن مستقبل أوكرانيا سيحدد مصيره ما حدث لأوكرانيا وليس من هذه العملية».
وبالمقابل يرى بعض المحللين العسكريين أن هذه العملية الأوكرانية لن توسع دائرة العمل على استنزاف روسيا من الدول الغربية بقدر ما ستتوسع دائرة الاستنزاف على الجيش الأوكراني الذي سيضطر إلى توسيع نشر قواته على حساب بعثرتها بعد تفكيكها من مناطق وإرسالها إلى مناطق احتلها في روسيا، وهو يجد نفسه في أمس الحاجة للقوة البشرية على خلاف روسيا التي تستطيع زج مئات الآلاف من القوى البشرية لحسم المعارك ضد أوكرانيا، ومن ناحية أخرى لا يمكن للولايات المتحدة والدول الأوروبية الثقة بقدرة أوكرانيا على الصمود طويلاً في أي حرب استنزاف تشنها على روسيا أو أي حرب من أنواع الحروب الأخرى التي تشنها روسيا على أوكرانيا.