الرسام الذي أنجب أربعة رسامين عرفوا على مستوى العالم … فلاديمير ماكوفسكي الديمقراطي الأول في الرسم الروسي
| مها محفوض محمد
بمناسبة الذكرى المئة والسبعين لولادة الفنان الروسي فلاديمير ماكوفسكي (1846- 1920) عادت مؤسسة RTBH الثقافية الروسية إلى عرض خمس من لوحاته التي أكسبته حب المعجبين بفنه من معاصريه في روسيا وفي أنحاء أوروبا كافة.
وفلاديمير ماكوفسكي هو ابن إيغور إيفانوفيتش ماكوفسكي مؤسس المدرسة الفنية عام 1832 التي أصبحت فيما بعد الأكاديمية الشهيرة المعروفة اليوم باسم أكاديمية موسكو للرسم والنحت والعمارة وهي ثاني مؤسسة في البلاد بعد أكاديمية الفنون الجميلة، فالوالد إضافة إلى عمله كمحاسب في القطاع العام كان شديد الاهتمام بالرسم والموسيقا كما كان أحد جامعي اللوحات النادرة في فنون الرسم والنحت إذ كان يمتلك أعمالاً للفنان الايطالي الشهير رافائيل سانزيو (1483- 1520) وللبلجيكي بيتربول روبنس وللرسام الهولندي رامبرانت أحد عباقرة الفن في العالم.
أنجب إيغور خمسة أولاد أربعة منهم أصبحوا رسامين شهيرين وأكثر من اشتهر بينهم أيضاً قسطنطين ماكوفسكي الذي ذاع صيته في ثمانينيات القرن التاسع عشر حيث أصبح من مشاهير رسامي البورتريهات واللوحات التاريخية وحاز جائزة الميدالية الذهبية في المعرض العالمي الذي أقيم في باريس عام 1889 عن لوحاته «موت إيفان الرهيب» و«محاكمة باريس» وهو الابن الأكبر لإيغور ثم امتدت عائلة ماكوفسكي إلى أحد عشر شخصاً من المشاهير ليس فقط في الرسم بل من رواد حركة الآداب والفنون ونقاد الفن، ويعد فلاديمير ماكوفسكي من رسامي تيار الواقعية الذي صور أناساً من عامة الشعب ومن مختلف طبقات المجتمع، فاستطاع إعطاء فكرة عن الحياة في روسيا خلال الثلاثين سنة الأخيرة من القرن التاسع عشر كما انضم إلى حركة «الرسامين الجوالين» (وهي حركة واقعية لأعضائها مثلُ أعلى هو أن الفن يجب أن يكون في خدمة الشعب، وكانت مجموعة الرسامين هؤلاء الذين عاشوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتألقوا في سبعينيات ذلك القرن، تنظم معارض دورية جوالة في المدن والأرياف لإطلاع الناس على الفن الروسي حيث اتخذ هؤلاء من الطبيعة مجالاً لوصف هموم الناس المهمشين) حيث جسدوا التزامهم بواقعية الحياة فعبروا عن أفكارهم بلوحات عكست واقع ذلك العصر.
أما اللوحات التي يعاد تسليط الضوء عليها اليوم للفنان فلاديمير ماكوفسكي فهي:
• «قراءة النصوص الأدبية» 1866، لوحة أنجزها الفنان خلال السنة الأخيرة من دراسته في مدرسة الرسم والنحت والعمارة في موسكو وفيها يصور الرسام صالوناً أدبياً يضم عدداً من الشخصيات كل منهم له طبعه وله قصته، أحد هؤلاء يظهر بشعر أبيض ولحية بيضاء يبدو وقد استوحى من والده صانع الأسرة التي أصبحت سلالة مشاهير، وهنا قد تكون إشارة من الفنان إلى عائلته.
• اللوحة الثانية «لعبة الكعوب» 1870 وفيها صورة عن لعبة قديمة من ألعاب الخفة الروسية تقوم على وجود فريقين يرمي كل منهما عظيمات صغيرة ثم يعاودون التقاطها بسرعة وكانت أول لوحة يشتريها مقتني الأعمال بافيل تريتياكوف لوضعها في غاليري لوحاته ما يدل على أن فلاديمير ماكوفسكي كان قد وصل إلى الشهرة الواسعة وكان معاصروه قد تذوقوا لوحته «حقيقة الحياة» وأدركوا قيمتها لما فيها من إبراز تفاصيل مهمة وغياب أي تزويق عاطفي انفعالي، والأهم من ذلك أن مواضيعه في اللوحات كانت تقترب من أدب غوغول وتورغيينيف، وفي العام 1870 وجد الفنان نفسه في مجتمع المعارض الجوالة من رسامي موسكو وسان بطرسبورغ وإضافة إلى إشادته بفن سهل الوصول إلى طبقات المجتمع فقد دعا أيضاً إلى المواضيع المستمدة من حياة الأساطير.
• أما لوحته «هواة العندليب» (1872-1873) فهي اللوحة التي أتاحت للفنان الوصول إلى لقب الأكاديمي في الرسم أي عضو المجمع الفني وبها عرف نجاحاً واسعاً ليس فقط في أنحاء روسيا وإنما في المعرض الدولي في فيينا عام 1873 ونرى في اللوحة بيتاً خشبياً من جذع الصنوبر فيه زاوية من الأيقونات وعلى طاولة التف حولها أشخاص سحرهم غناء عندليب داخل قفص يتدلى من السقف تتوضع آلة تدعى السماور (إبريق روسي يغلى فيه الشاي) وقد رأي الشعب الأوروبي في هذه اللوحة انعكاساً للروح الروسية.
وبالنسبة للذين ينتمون إلى مدرسة الرسم الروسية فإن أعمال ماكوفسكي طورت تقاليد الفنانين بافيل فيدوتوف وفاسيلي بيتوف.
• وعن لوحته «ملاذ الليل» 1889 يسأله أحد الرسامين الأجانب وهو مندهش من تنوع النماذج التي يقدمها ماكوفسكي في لوحاته أين يجد ذلك فيأخذه فلاديمير إلى أحد شوارع موسكو حيث الملاجئ وخبايا الفقراء ويقول الرسام: إنه يعرف كل شيء عن هذه الأماكن وعن الأسواق وعن المسارح وحفلات الغناء والرقص أما اللوحة فيتوسطها رجل مسن يتأبط قطعة كرتون رسم عليها بورتريه لرسام الطبيعة الكسي سافراسوف بعد أن أدركه البؤس ومات فقيراً في أحد الملاجئ.
• أما اللوحة الخامسة فهي «مقبرة فاغانكوفو» (1896-1901):
وهي رسم لمأتم ضحايا ساحة خودينكا، ففي العام 1896 وحيث كان يتم تتويج نيكولا الثاني آخر إمبراطور روسي في موسكو وقد دعي فلاديمير ماكوفسكي إلى حفل التتويج ليقدم رسومه في ألبوم الحفل غير أن الفنان ينعطف نحو مشهد درامي بدلاً من المشهد الاحتفالي حيث تأتي الحشود بكثافة إلى سهل خودينكا الذي يتحول إلى حلبة تدافع من شدة الازدحام ويسقط الناس أرضاً ويموت آلاف منهم ما أوحى للرسام بفكرة تختلف تماماً عن تلك التي جاء من أجلها وبقي بعدها مادوفسكي خمس سنوات حتى أنجز اللوحة لشدة تأثره بمنظر الجثث التي نقلت إلى مقبرة فاغانكوفو القريبة من السهل حيث وقعت الحادثة في وقت كان القيصر مع جمهوره يتابع الاحتفال والرقصات المخصصة للعرض.
فاللوحة التي صورت القتلى المرميين وسط دهشة من تبقى من الحشود بعد المأساة أدهشت الناس في ذلك الوقت لكن الرقابة منعتها ولم تخرج للعلن إلا في العام 1910 في أحد معارض لندن.