العالم أمام اختبار حقيقي لظاهرة الإرهاب في سورية
| علي عدنان إبراهيم
ليس خفياً أن الجماعات الإرهابية كانت تتجهز للخروج من منطقة خفض التصعيد التي تم حشرها بها باتفاق دولي يمهد لتسوية سياسية سورية- سورية بشرط حصر الإرهابيين الأجانب وإخراجهم من المشهد بشكل كامل والقضاء على فرع تنظيم القاعدة السوري «جبهة النصرة» المصنف إرهابياً في واشنطن وأغلبية دول العالم، غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تدخل لحماية هؤلاء الإرهابيين عندما اندفع الجيش السوري لتحرير المنطقة عام 2020 وتعهد في اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تنفيذ بنود التسوية التي لم يطرأ عليها أي إجراء بل بقيت إدلب بيئة خصبة لنمو الإرهاب وتدريبه ودعمه وتسليحه إلى أن حانت الفرصة المناسبة من وجهة نظر تركيا وأتباعها، لنسف الاتفاق والانقضاض على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
ومنذ شهر حزيران الماضي صدرت عدة تصريحات لمتزعمي الجماعات الإرهابية في إدلب نوهت إلى انشغال حزب اللـه اللبناني بالحرب مع إسرائيل وإلى أن الفرصة باتت مواتية لجمع الكلمة والانفلات من إدلب في كل الاتجاهات، الأمر الذي لم تردعه النقاط العسكرية التركية المراقبة لحسن سير اتفاق خفض التصعيد، بل الواضح حتى اليوم بعد مضي نحو أسبوع على بدء المعارك أن تركيا مشاركة رسمياً بالعمل الإرهابي عبر الدعم وتسهيل المرور والتخطيط والتوجيه والسماح بالمشاركة الأوكرانية في عمليات الإرهابيين انتقاما من روسيا وتقديم التكنولوجيا وخاصة فيما يخص الإمداد بالطيران المسير والتكنولوجيا اللازمة.
دخول الإرهابيين إلى مدينة حلب بعد قطع الطريق الدولي، وتأخير وصول الإمدادات العسكرية، ترافق مع محاولتهم إظهار شكل مغاير لطبيعتهم، عبر بيانات مجهزة مسبقاً عملت على نشرها وسائل إعلام تابعة لهم، كتوصيات متزعمهم الإرهابي أبو محمد الجولاني بعدم التعرض للناس وممتلكاتهم وأفكارهم ومعتقداتهم بالإساءة، وكذلك مقاطع فيديو تمثيلية لجذب المدنيين في حلب وإقناع الشعب السوري بطيب نياتهم الزائفة، من قبيل طرق أبواب المنازل والحديث الدمث مع الناس وطمأنتهم على أحوالهم والتطوع لتأمين المواد الغذائية لهم ومدهم بالكهرباء لساعات طويلة، لكن كل ذلك تعرض للإخفاق مباشرة مع انتشار مقاطع الفيديو الحقيقية التي أظهرت حجم الحقد الطائفي من خلال احتجاز آلاف النازحين من مدينة حلب وبلدتي نبل والزهراء في منطقة السفيرة وتجويعهم، وقتلهم على أساس طائفي، مع التفوه بعبارات خبرها السوريون جيداً مع انطلاق الأزمة ودخول التكفيريين إلى كثير من المناطق والمدن وترويعهم لأهاليها، كما تعرض إعلامهم للإخفاق ثانية مع انتشار مقاطع فيديو من مدينة حلب وقلعتها التي رميت على أسوارها الأعلام التركية ورايات الجماعات الأوزبكية والإيغورية وعناصرها الذين انفلتوا في شوارع حلب ورفعوا أصابعهم عند الحديث عن النصر الذي حققوه وسيرهم لتأسيس الدولة الإسلامية المنشودة التي ليست إلا الوجه الآخر لدولة داعش البائدة.
إن هذه الخيانة للمواثيق الدولية من قبل تركيا أسست لاقتحام سريع للجماعات الإرهابية على مختلف المحاور، وانسحاب تكتيكي للجيش لمنع تحويل مدينة حلب إلى ساحة اشتباكات وحرب مرة أخرى تعيد تدمير ما تم ترميمه وبناؤه منذ التحرير عام 2016، ولاستكمال تحشيد القوات وصد الهجمات المتتالية والسريعة لانتحاريي النصرة وما يطلق عليهم «الانغماسيون» الذين حاولوا دخول مدينة حماة وسط سيل جارف من الشائعات التي اشتركت بالتسويق لها وسائل إعلام كبرى على مستوى العالم في محاولة لبث روح الانهيار الكامل لدى الشعب السوري الذي لم يخرج بعد من دوامة هذا النوع من الحرب منذ 13 عاماً، فلم يعطِ بالاً لكل ما أشيع ليتم إفشال الهجمة الإعلامية الأشرس، والتأسيس لمرحلة جديدة من التصدي لموجات الهجوم المتواصلة بالتزامن مع استهداف خطوط الإمداد وتجمعات الإرهاب في مدينة حلب، لمنعها من تثبيت أقدامها، وتكثيف الغارات على منشآت النصرة وغيرها في إدلب ومدنها وبلداتها والتي باتت بؤرة لتدفق الإرهابيين وجحراً يختبئ فيه متزعموهم، قبل إطلاق المرحلة الثالثة التي أعلنها الجيش السوري ببدء الهجوم المعاكس على كافة المحاور لاستعادة المناطق المحتلة حديثاً من قبل الإرهاب، والتثبيت فيها تمهيداً لإطلاق معركة أخيرة لاقتلاع الإرهاب من إدلب وريف حلب الشمالي بشكل كامل.
ورغم صعوبة الموقف على اعتبار أن مدينة حلب لم تُفقد بشكل كامل حتى في أكثر لحظات الحرب سواداً عام 2013 عندما بقيت 3 جزر منفصلة ترفع العلم السوري، هي سجن حلب المركزي، وبلدتا نبل والزهراء، وأحياء عديدة من مدينة حلب، ضمن بحر من الإرهاب التكفيري الذي حاول مراراً بمساندة دولية اقتحام حلب بعد أن حاصرها وسرق معاملها وأرسلها إلى تركيا ودمر أسواقها ومآذنها التاريخية، قبل أن يتمكن الجيش السوري من فك الحصار انطلاقاً من منطقة السفيرة في ريف حلب الجنوبي حتى التحرير الكامل نهاية 2016، فإن الإيجابي اليوم هو الموقف الدولي الأكثر تأكيداً على ضرورة منع الإرهاب من التمدد في سورية وفهم خطورة الأمر الذي بدا واضحاً عبر اتصالات الرؤساء والزعماء ووزراء الخارجية وتحديداً العرب، بالقيادة السورية، والتأكيد على دعم سورية وجيشها في وجه الهجوم الإرهابي، وسط تنصل تركيا من مسؤوليتها عن الهجوم، وإعلان روسيا انضمامها الكامل للجهود الحربية ضد التكفيريين على الرغم من انشغالها بساحة حرب واسعة ضد الناتو في أوكرانيا، وذلك عبر الغارات الجوية التي لم تتوقف منذ بدء الهجوم الإرهابي، وتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال محادثة هاتفية مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان على «الدعم غير المشروط للإجراءات التي تتخذها السلطات الشرعية في سورية لاستعادة النظام الدستوري والسلامة الإقليمية للبلاد»، عدا عن إعلان طهران التزامها الكامل عبر وزير خارجيتها بدعم سورية، والمبادرات التي أعلنتها جبهات المقاومة للاشتراك مع الجيش السوري في حرب الإرهاب من جديد.
الواضح بعيداً عن التحليلات، أن الجيش السوري مصمم على الدخول في حرب واسعة ضد الإرهابيين بناء على البيانات المتلاحقة التي يصدرها، ما ينسف تماماً كل ما يشاع عن أمر واقع تم القبول به، كما كان عليه الأمر لحظة الموافقة على اتفاق خفض التصعيد الذي صمد 4 سنوات قبل أن ينهار خلال لحظات، في دليل فاضح على دناءة النظام التركي وعدم القدرة على التعامل معه والوثوق به أو حتى اعتباره ضامناً لأي اتفاق قد يحصل مستقبلاً.