زيارة شويغو إلى سورية بريد يعج بالرسائل السياسية والعسكرية
| وكالات
حملت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو المفاجئة إلى سورية أكثر من رسالة، تؤكد العلاقة الإستراتيجية التي جمعت بين البلدين تاريخياً، في وقتٍ تحولت فيه الساحة السورية إلى صندوق بريد، يعج بالرسائل السياسية والعسكرية، المتبادلة بين الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية.
ونشر الموقع الإلكتروني لقناة «روسيا اليوم»، تحليلاً للزيارة، جاء فيه: إن زيارة شويغو إلى سورية جاءت لتقول: إن هذه العلاقة، التي يثار حولها الكثير من اللغط في وسائل الإعلام الغربية والعربية، تبدو اليوم في أحسن حالاتها. فالتنسيق مستمر بين الدولتين والجيشين وعلى أكثر من مستوى، وخاصةً أن هذه الزيارة تأتي في أعقاب اجتماع بالغ الأهمية شهدته طهران بين وزراء دفاع البلدان الثلاثة (روسيا وسورية وإيران)، الذي قد تكون زيارة سيرغي شويغو إلى دمشق، في أحد جوانبها، استكمالاً لما تمت مناقشته في اجتماع طهران، لجهة الخوض في التفاصيل النهائية للخطط التي تم وضعها هناك، والتي تعني بشكل أساس الدولة التي تعدُّ أراضيها مسرحاً للعمليات، وهي سورية في هذه الحالة.
وتابع المقال: «لا شك في أن زيارة المسؤول الروسي تحمل فيما تحمل أيضاً مؤشرات بالغة الدلالة. وذلك، لأنها أعقبت موجة عاتية من التصريحات والتهديدات الأميركية للبلدين الحليفين: بدأها كيري الذي نفد صبره من روسيا في سورية، قبل أن يتراجع عن كلامه؛ وتابعها موظفو الخارجية الأميركية الذين طالبوا الرئيس أوباما بضرب مواقع الجيش السوري وإسقاط الحكومة، قبل أن يختتمها رئيس أركان القوات الجوية الأميركية ديفيد غولدفين، بإعلانه عن استعداد واشنطن لإنشاء منطقة حظر جوي في سورية، مشترطاً الحصول على الإذن، لتحقيق ذلك باستهداف الطائرات الروسية والسورية».
وأضاف: «الوزير شويغو رد مباشرةً، ومن حميميم على كل ما سبق؛ حيث تفقد خلال زيارته إلى سورية أداء النوبة العسكرية في مركز قيادة وحدة الدفاع الجوي ومنصات الإطلاق التابعة لمنظومة «إس 400» الصاروخية للدفاع الجوي. كما تفقد جاهزية الطاقم القتالي للمنظومة، وهو ما يمثل رداً عملياً ومن الأرض على التلويح الأميركي بإمكانية قصف قطعات من الجيش السوري وإسقاط طائرات روسية. كما يُعد رسالة وعيدٍ للأتراك، الذين يشكلون الداعم الرئيس لجبهة النصرة الإرهابية، وحلفائها في حلب».
وقد سبق رد سيرغي شويغو الميداني هذا سلسلة من الردود الروسية، جاءت من وزارة الخارجية التي حذرت من مغبة التدخل في سورية، ومن الكرملين الذي صرح الناطق باسمه بأن إطاحة السلطة في سورية ستغرق المنطقة في الفوضى.
وحسب المقال: «أما الرد الأهم، فقد جاء من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، بأن الحل في سورية يكمن في محاربة الإرهاب، والانخراط في عملية وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وهي رسالة واضحة إلى ذوي الرؤوس الحامية في واشنطن – أن كفاكم وعيداً، فكل هذا التهديد لن يغير شيئاً، وأن ثمة طريقاً وحيداً لحل الأزمة هو الحل السياسي». وبيّن المقال: إنه «سرعان ما خفف البيت الأبيض من زخم التهديدات بالعسكرة بتصريحٍ للمتحدثة باسمه جنيفر فريدمان بأن الرئيس أوباما لا يرى أي إمكانية لحل عسكري للأزمة السورية».
أما صحيفة «نيويورك تايمز» المقربة من مراكز صنع القرار في واشنطن، فخرجت في اليوم التالي بعنوان «ستة أسباب تمنع واشنطن من شن حرب على (الرئيس) الأسد»، وعلى رأس هذه الأسباب «الخشية من تطور النزاع إلى حرب مع روسيا والصين».
على صعيد آخر قالت مصادر «مطلعة» في دمشق لصحيفة «ميسلون» السورية: إن زيارة شويغو تهدف فيما تهدف إلى طمأنة الرئيس الأسد على انتهاء فترة الهدنة في حلب، وعودة الجهد الحربي الروسي إلى ميادينها، بعدما تمكنت جبهة النصرة وحليفاتها من السيطرة على ثلاث بلدات إستراتيجية في ريف حلب الجنوبي، ما يهدد بلدة الحاضر، ويمكِّن الإرهابيين من محاصرة القوات السورية داخل حلب.
المصادر نفسها تحدثت عن بعض تفاصيل الرسالة، التي حملها شويغو من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئيس بشار الأسد، والتي تتعلق بالخطة المقررة لضرب جبهة النصرة وميليشيا «جيش الفتح»، وخاصةً أنها تزامنت مع نهاية الساعات الثماني والأربعين من مهلة الهدنة التي أعطتها موسكو للجماعات المسلحة للانفصال عن جبهة النصرة.
وما يمكن قوله عقب اجتماع طهران، ثم «اجتماع دمشق»، هو أن اتفاقاً قد نضج بين روسيا وسورية وإيران للبدء بمعركة حلب المهمة والحساسة، وكذلك متابعة التقدم نحو الرقة ودير الزور.
وهذا يعني تجاهل المطالب الأميركية بتأجيل معركة حلب إلى حين قيام واشنطن بالفصل بين «المعتدلين» والإرهابيين. لأن موسكو باتت على قناعة بأن واشنطن لم تنظر إلى هذا المطلب يوماً بجدية. وإن كان كذلك، فإنها فشلت في تحقيقه، وكل يوم إضافي يعني تقدماً لجبهة النصرة و«جيش الفتح» نحو مواقع جديدة للقوات السورية.
بيد أن الأنباء تتوارد من «تنسيقيات» المسلحين عن حجم خسائرهم نتيجة القصف الروسي لمراكزهم وتجمعاتهم في شمال حلب؛ حيث اعترفت هذه التنسيقيات بمقتل 167 من عناصر «جيش الفتح»، الذي تقوده جبهة النصرة، بينهم عشرات القياديين.
كذلك الأمر في محافظة إدلب التي تعتبر «عاصمة» جبهة النصرة وخزانها البشري الأكبر؛ حيث شنت الطائرات الروسية غارات جوية على عمق المحافظة، بما في ذلك القصف الكثيف لتجمعات الإرهابيين في معرة النعمان، ما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى.
يبدو أن زيارة شويغو أخذت مفاعيلها، قبل أن تنجلي تفاصيلها.. فما الذي ستكشفه الأيام المقبلة أيضاً؟