المفاجآت ليست وليدة هذه النسخة في اليورو … منتخب ويلز يسير على نهج أسلافه
فرض منتخب ويلز نفسه نجم النسخة الخامسة عشرة لأمم أوروبا بامتياز تام، فلم يكتف بالتأهل إلى النهائيات، ولم تتوقف طموحاته عند صدارة المجموعة الثانية التي ضمت الإنكليز والروس والسلوفاك، ولم تقف عجلة دورانه عند الوصول إلى ربع النهائي، بل واصل المسير نحو المربع الذهبي ولا ندري إن كانت ستتوقف طموحاته هناك.
تاريخياً تعد بطولة أوروبا ميداناً رحباً لتسطير المفاجآت، فلم تكن تشيكوسلوفاكيا عام 1976 سوى البداية في هذا الطريق المحبب للسواد الأعظم من جماهير المستديرة التي ترى النتائج الغريبة ملح أي بطولة، فجاءت الدانمارك عام 1992 من الباب الخلفي لتسبق الجميع نحو القمة، ثم تعملق اليونانيون عام 2004 ناسفين كل التوقعات المسبقة التي تحولت إلى مداد لا قيمة له.
في هذه النسخة سار منتخب ويلز باقتدار نحو نصف النهائي بفضل مجموعة من اللاعبين الذين يقدمون مستويات مذهلة أمثال النفاثة غاريث بل الجدار الصلب أشلي ويليامز والعقل المفكر رامزي والمكوك جو آلين، وكل ذلك بفضل مدرب يعشق التحدي الذي خبره من أجواء الدوري الإنكليزي وهو كريس كولمان.
في هذه المادة سنسترجع ذكريات رآها الكثيرون تصب في خانة المفاجآت السارة وكانت بحق بصمات على جدار البطولة القارية الأسخن في العام، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المفاجآت ندرت في أمم آسيا فلم يتوج منتخب غير مرشح، وانحسرت بشكل كبير المفاجآت الإفريقية إلا إذا اعتبرنا تتويج زامبيا 2012 ومن قبلها جنوب إفريقيا 1996.
أما في كوبا أميركا فيبقى تتويج بوليفيا 1963 الأكثر غرابة ومعلوم أن كأس العالم لم يفرز بطلاً غير مرشح إلا إذا اعتبرنا تتويج الألمان الغربيين عام 1954 في ظل وجود منتخب عالمي لا يشق له غبار وهو منتخب المجر.
حكاية تشيكوسلوفاكيا
عام 1976 جرت النهائيات الأوروبية على الأراضي اليوغسلافية بمشاركة أبطال العالم الألمان والمنتخب الذهبي الشامل الهولندي إضافة إلى المنتخب المستضيف، ولم يدر في خلد أحد أن المنتخب الشرقي سيطيح بكرويف وبقية القائمة التاريخية لهولندا ثم يروض القيصر بيكنباور وبقية أفراد الجيل الذهبي الألماني في السبعينيات فكانت بحق ومضة لم يراهن عليها أحد بفضل عناصر مازالت ماثلة في الأذهان أمثال فيكتور وأوندراس وبانينكا ونيهودا وسفيليك ودوبياس.
للتذكير فإن التشيكوسلوفاكيين فازوا على هولندا بثلاثة أهداف لهدف وعلى الألمان بالترجيح بعد التعادل بهدفين لمثلهما.
قصة أحفاد الفايكينغ
لم يتأهل المنتخب الدانماركي إلى نهائيات يورو 1992 ولكن العقوبات بحق منتخب يوغسلافيا فسحت المجال أمام فريق المدرب ريتشارد مولر نيلسن كي يشارك في النهائيات، وحينها كان اللاعبون الدنماركيون يقضون إجازاتهم السنوية فاجتمعوا على عجلٍ ليذهبوا إلى السويد ويسرقوا الأضواء من الجميع بفضل القوة البدنية والتركيز اللامحدود والحظ غير العادي والأهم اللعب من دون ضغوط فكان اللقب الذي لم يراهن عليه أحد.
الحكاية وقتها بدأت بالتعادل مع الإنكليزي 1/1 ثم الخسارة أمام السويد بهدف ثم التأهل على حساب فرنسا بهدفين لهدف، وفي نصف النهائي أبعدوا حامل اللقب البرتقالي الهولندي بالترجيح بعد التعادل 2/2 وفي النهائي كان الدرس البليغ والمفاجأة الأضخم بالفوز على الألمان أبطال العالم بهدفين نظيفين.
ومن بين الأبطال الماثلين في الذاكرة شمايكل وبريان لاودروب وفيلفورت وهينرك لارسون.
أسطورة اليونان
أن تتأهل اليونان إلى النهائيات الأوروبية فذلك كان مفاجئاً للنقاد عام 2004 وأن تتأهل إلى الدور الثاني فذلك إنجاز وأن تصل إلى ربع النهائي فذلك إعجاز فكيف الحال إذا سبقت الجميع نحو قبلة الوصال مع الكأس في تلك النسخة بوجود منتخب فرنسي عظيم وآخر إنكليزي متين وثالث برتغالي مستعد.
نعم حصل ذلك وكأن القصص التي قرأناها في الآداب اليونانية نقطة في بحر ذاك الإنجاز الذي يعود الفضل فيه إلى المدرب الألماني ريهاغل الذي نسج خطة دفاعية أعيت المنتخبات الكبيرة، فكان الفيروس اليوناني لغزاً محيراً لجهابذة القارة.
اليونان بدأت المشوار بالفوز على البرتغال المستضيفة بهدفين لهدف ثم كان التعادل مع الإسبان بهدف لمثله ولم تكن الخسارة مع روسيا بهدف لاثنين مؤثرة، وفي ربع النهائي ذبحوا الديوك الفرنسية بهدف وفي نصف النهائي أصابوا التشيكيين المرشحين بمقتل بهدف فضي ذهبي وفي النهائي أبكوا البرتغاليين مجدداً بهدف نظيف عضو عليه بالنواجذ، ومن أبرز لاعبي اليونان في تلك النسخة زاكوراكيس وخاريستياس وكاراغونيس وبازيناس.
الحصان الأسود
أثبت منتخب ويلز أنه الأمضى في لقب الحصان الأسود خلال هذه النسخة عندما جرد بلجيكا من اللقب الذي لطالما اشتهرت به وخصوصاً في نسخة 1980 عندما وصلت إلى النهائي وكانت قاب قوسين أو أدنى من التتويج.
مباراة أمس الأول بمواجهة بلجيكا كانت لتأكيد هذه التسمية فكانت ويلزية بامتياز، ولا يمكن بحال من الأحوال إلا رفع القبعة لمنتخب بولندا الذي خرج من دون هزيمة على غير العادة.
منتخب ويلز هو ثالث منتخب يصل إلى نصف النهائي في مشاركته الأولى منذ رفع عدد المنتخبات إلى ثمانية بعد منتخب البرتغال 1984 والسويد 1992، وتجاهلنا منتخب تشيكيا على اعتبار أنه الوريث الشرعي لمنتخب تشيكوسلوفاكيا.
بقي أمام ويلز خطوتان فهل تبلغ المباراة النهائية على غرار بلجيكا 1980 أم ستكون حدودها نصف النهائي وهذا لا يمنع من وصولهم إلى كارديف كأبطال تاريخيين يشار إليهم بالبنان.