تركيا الغارقة في بحر المشاكل إلى أين؟
| صياح عزام
تحققت لأردوغان من الانقلاب الفاشل مكاسب، ولكنها مكاسب مؤقتة منها: اعتقال وتصفية آلاف الضباط من أعلى الرتب العسكرية، حتى إن الحملة هذه طالت طلاب ضباط ما زالوا على مقاعد الدراسة يتلقون العلوم والمعارف العسكرية.
كذلك اتخذت إجراءات بحق القضاة، بدءاً من قضاة المحكمة العليا، وصولاً إلى جميع القضاة العاديين في عموم تركيا، طبعاً، كل هذا سيوفر لـ أردوغان فرصة القضاء على جميع خصومه السياسيين بمن فيهم خصومه في حزبه «حزب العدالة والتنمية».
إذاً، فالمسألة بالنسبة لأردوغان أصبحت مسألة تدجين وترويض للخصوم، أو تصفية نهائية إذا اقتضى الأمر ذلك!!
أما على المدى البعيد أو غير المنظور، فإن أردوغان سيجد نفسه محاصراً بالمعارضين من كل مكان، أولاً: من الجيش، وثانياً من الأحزاب التركية الأخرى.
أيضاً، من الواضح أن تركيا بعد الانقلاب، دخلت مرحلة جديدة من العنف فعدد ثلاثة آلاف ضابط ليس بالعدد القليل وكذلك أحد عشر ألف موقوف و47 ألف سجين و57 ألف موقوف عن العمل ليقول عنهم أردوغان إنهم مجموعة صغيرة، كما أن مسرحية اتهام الولايات المتحدة بأنها دولة معادية لتركيا لأنها تحمي «فتح الله غولن» المقيم في بنسلفانيا في أميركا، هي عملية استعراض إعلامية.
ذلك أن تركيا، وضَعَها أردوغان تحت المطرقة الأوروبية، ولن يبقى أمامه أي فرصة للتحدث مع أمريكا أو مع الدول الأوروبية من باب القوة والنديّة، وليس ببعيد الوقت الذي ستتحدث فيه تركيا عن علاقات مميزة مع الولايات المتحدة.
لقد مارست السلطات التركية دوراً لا يختلف عن دور «الدواعش» في تعذيب الجنود الأتراك الذين استسلموا، وانتشرت صور هذا التعذيب الذي قام به أنصار أردوغان وحزب العدالة والتنمية، مُجسِّدةً أبشع أشكال الانتقام وإقصاء الآخر التي أخذ يُطبَّقها حزب أردوغان، ثم إن الحديث عن إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في تركيا بحق السياسيين المعادين لحزب العدالة والتنمية، يعني فيما يعنيه عودة عمليات القتل والاغتيال والتصفيات الجسدية التي مارسها السلاطين العثمانيون، حيث كانت تتم تلك العمليات على «الشبهة» لا على (اليقين)، وبالتالي، ستتم تصفية كل معارض تحت هذه الذريعة.
لقد بات من المؤكد أن تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الإخواني وزعيمه السلطان الجديد، تعيش حالة من الانقسام، وهذا الانقسام في طريقه إلى التوسّع أفقيّاً وعامودياً، وذلك نتيجة لسياسة حزب العدالة وما جلبته هذه السياسة من مشاكل داخلية وخارجية لتركيا لا حدود لها، لأنها سياسة قائمة على فكر جماعة الإخوان المسلمين التي لا تعترف بالآخر حتى ولو كان مُسلماً! وبالتالي، فإن ممارسات أردوغان وحزبه ستقود تركيا إلى أن تصبح دولة فاشلة تُحيط بها مجموعات إرهابية مسلحة تتبادل معها المصالح، وتخدم إستراتيجية بقاء حزب العدالة في قمة السلطة وممارسته المزيد من الاستبداد الذي مارسه العثمانيون. ومثل هذا الوضع لا تقبل به أمريكا ولا أوروبا، لأن الإرهاب الذي ترعاه وتراهن عليه تركيا وتستخدمه كورقة لتمرير مصالحها في المنطقة وفي الغرب، سيصل إلى الغرب بوتائر أسرع، وتفجيرات فرنسا وبلجيكا وغيرهما أكبر دليل على ذلك.
الجميع يعرف أن مشاكل تركيا متعددة أساساً ولا تزال حاضرة، مثل مذابح الأرمن، وانتهاك حقوق الأقليات، والصراع الدامي مع الأكراد، ثم جاءت المشكلة الأكبر التي أوجدها أردوغان، وهي تحول تركيا إلى بلد «عبور وعبور معاكس» لمنفذي الهجمات الإرهابية إلى سورية والعراق والدول الأوروبية، وإقامة مدبري العمليات الإرهابية هذه في فنادقها في أنقرة واسطنبول مع رعايتهم الكاملة من الاستخبارات التركية.. كل هذه الملفات الكبيرة العالقة أضيف إليها الآن عمليات الإقصاء والاعتقالات والتسريحات غير المسبوقة التي تحصل في تركيا بعد محاولة الانقلاب، فهل ستتحمل تركيا ومحيطها وحتى الغرب مثل هذه الأوضاع التركية الملغومة والقابلة لمزيد من الانفجار الذي ستُصيب شظاياه الجميع؟