إظهار فلسفة الأساطير وربط الخيال بالواقع … علي فخور لـ«الوطن»: أستمتع عندما أنحت حجراً على الطريق
| سوسن صيداوي
لا يمكن للحضارات أن تندثر ما دام هناك رعاة مختارون ينقلون لنا تاريخها ومسيرتها، ودعاة جمال يعبّرون من خلال أعمالهم عن كل رقي وحضارة وفن، وهؤلاء لكل منهم أسلوبه ولكل منهم طريقته التي يتبعها كي يصل إلى غايته، وكيف إذا كانت هذه الغاية كما ذكرت هي السعي للحضور في الساحة الفنية، ولكن بخصوصية مميزة وببصمة مغايرة لما هو حاضر في الساحة.
علي فخور… نحات وخطاط ورسام وهو من الأسماء التي تسعى لتكون حاضرة ومميزة، البداية كانت مع تأمل الصخور في تنوع أشكالها وأحجامها، وحينما كان بعمر العاشرة استحوذ على إعجاب الحاضرين في المعرض المدرسي بسبب أول عمل نحتي له، بعدها تلاعبت الظروف المعيشية بموهبته إلى أن عادت الانطلاقة الحقيقية من الأساطير مجسّدة من شخصياتها ما هو جميل وفاتن للقلوب.
جريدة «الوطن» التقت النحات علي فخور، وإليكم الحوار:
تحدث لنا عن بداياتك مع النحت… وبماذا تأثرت حتى اخترته فناً تنتهجه في مسيرتك؟
نشأت في بيئة ريفية وسط عائلة تعمل بالزراعة، وكنت دائم الحضور بين الأرض والتربة، وبين الحجارة والصخور، وعندما أجلس أمام الصخور، كان الوقت يمر مسرعاً وأنا أتخيل كيف يمكنني تحويل كتل الحجارة إلى مجسمات لحيوانات أو نباتات أو أي شي آخر، في تلك الأثناء وبتصميم طفولي، كنت أحاول أن أعطي الحجر شكلاً معيناً، وذلك بالطرق عليه بحجر آخر فأكسر منه قطعة هنا وقطعة هناك حتى يأخذ الشكل الذي أريده… من هنا بدأت فكرة النحت لدي وأنا بالأساس أملك موهبة الرسم والخط العربي الأمر الذي ميّزني في مدرستي، وعندما كنت في العاشرة اشتركت بعمل نحتي واحد، كان من الجبصين، وحينها قدمت عدة رسومات في معرض المدرسة، ولاقت أعمالي الثناء والاستحسان من المدرسين الذين قاموا بتشجيعي على متابعة النحت وهذه كانت بدايتي الأولى… انقطعت عن النحت لمدة طويلة من الزمن، بسبب أوضاع الحياة الصعبة ومتطلباتها، لكوني ابناً لأسرة فقيرة وكبيرة.
لماذا اخترت الرخام بالذات كمادة نحتيّة؟
اخترت الرخام والصخور كي أتميز عن غيري من النحاتين الذين يقومون بتحويل الحجارة والصخور والرخام إلى طين أو جبصين أوصلصال ومواد عجينية «ليست صلبة»، وهذا برأيي الشخصي لا يعتبر نحتا إنما هو تشكيل.
تحدث لنا عن أسلوبك الذي تتبعه في النحت؟
يختلف أسلوبي في النحت عن بقية النحاتين، وأنا تقصدت ذلك، فعادة ما يقوم النحاتون بنحت أشكال مبهمة، ولا يقومون بشرح هذه التشكيلات، فالمتلقي يجد صعوبة في فهم ما يقصده النحات بأعماله، أما بالنسبة إلى أعمالي فأنا أقوم بشرح وسرد وربط قصص وأساطير تاريخية مع العمل، ليبقى في أذهان الناس، وعلى سبيل المثال منحوتة «هيلين»، «طروادة»، و«جالاتيا»، و«برج الثور» وغير ذلك من أعمالي.
ما مشاعرك وأنت تقوم بنحت الرخام وبتحويله إلى منحوتة؟
في الحقيقة لا أستطيع الحديث عن مشاعري أثناء عملية النحت، إلا أنني أقول وبصدق إنه في اليوم الذي لا أقوم بالنحت أرى نفسي أقوم بذلك في حلمي، وهذه حقيقة، فالنحت بالنسبة لي هو قمة المتعة، وخصوصاً عندما أقوم بتحويل حجر مرمي على الطريق إلى عمل فني تتناقل أخباره الناس وتستمتع بالنظر إليه.
اختيارك مواضيع المنحوتات يمّيزك عن كثير من النحاتين.. أنت معني بالحضارات الإنسانية وتحاول من خلال منحوتاتك تذكير الناس بعراقة الإنسان عبر العصور؟
من الأعمال التي قدمتها «هيلين» التي استوحيتها من قراءتي لملحمة طروادة، وكنت أعجبت بشخصية «هيلين» التي تتمتع بجمال فريد لكونها الأجمل على الأرض قاطبة، والأميز بلباسها الشفاف، فاستهوتني تلك الأسطورة وقررت تجسيدها بلوحة رخامية، وأيضاً جسدت شخصية «بابنيان» في لوحة رخامية، وهو شخصية سورية صاغ القوانين للعالم، واستغرقت منحوتته وقتاً مني نحو شهر ونصف الشهر، وأيضاً من أعمالي «الثور الأبيض» والمنحوتة قطعة صخر بارتفاع 47 سم وعرض 16 سم، وجسدت فيها أسطورة برج الثور والملك جوبيتير الذي كان زير نساء وكان يفعل أي شيء لإرضاء محبوبته.
تحدث لنا عن المعارض والمشاركات؟
أقمت عدة معارض جماعية وأقمت معرضين فرديين، من أضخم المعارض الفردية على مستوى عدد الأعمال والحضور، وما يشعرني بالرضا هو الإقبال من الجمهور على المعارض والمعنيين وخاصة في معرضي الثاني «عاصفة الرخام».
ماذا عن أحجام المنحوتات؟
أحجام المنحوتات متفاوتة بين الوسط والصغير وهناك المنحوتات الطولية الكبيرة.
مع أي حجم تكون مرتاحاً أكثر؟
أنا بصراحة أعمل ضمن ما هو متاح، وللأسف الشديد بسبب الأحداث فُقد عدد كبير من أنواع الرخام، وفُقدت الكتل الرخامية وإن وجِدت فإن أسعارها غير معقولة، وأنا أعمل بتمويل ذاتي لذلك لجأت إلى النحت البارز على ألواح الرخام المتوافرة بأسعار شبه مقبولة.
ما الرسائل التي تريد توجيهها من خلال أسلوبك في النحت؟
في الحقيقة أنا أرغب في أعمالي دائماً في إظهار فلسفة الأساطير التي أغنت بعض المجتمعات بالفلسفة والخيال الواسع وربط أحداث خيالية بالواقع، ما يضفي على أعمالي التميز والاستثنائية، وتترسخ لدى المتابع الأسطورة بصورة عملي النحتي كي يبقي محتفظاً به في مخيلته.
ما آخر أعمالك النحتية؟
قمت بعمل «جالاتيا» الذي يجسد أسطورة «بيغماليون» النحات الإغريقي الذي نحت تمثالاً لفتاة جميلة، ويوماً بعد يوم تعلق بها وبدا عليه الجنون، وكانت فينوس آلهة الحب على علم بما يجري له، فقررت مساعدته، وفي أحد الأيام كان «بيغماليون» يمسك بيد التمثال فشعر بحرارة، فنظر إليه وإذا به فتاة حقيقية… فأطلق عليها اسم «جالاتيا» وتزوجا، وأنجب منها ولداً أطلقا عليه اسم «بافوس» وقد أطلق هذا الاسم فيما بعد على اليونان، وهذه الأسطورة حولها توفيق الحكيم إلى رائعة من روائعه، عمل «جالاتيا» تم نحته بطول 36 سم وعرض 22سم، وهو من الرخام الإيطالي، واستغرق إنجازه خمسين يوما.