نفي حكومي صارم لاحتمال دخول قمح مسرطن من لبنان إلى أسواقنا … وزير «التموين» لـ«الوطن»: لم نستورد قمحاً من لبنان ولا عن طريقها … مدير الجمارك: تكثيف الدوريات على امتداد الشريط الحدودي مع لبنان
| علي محمود سليمان – محمد راكان مصطفى
أكد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد اللـه الغربي أن الأمن الغذائي في سورية بخير، موضحاً في تصريح خاص لـ«الوطن» أن كميات القمح التي تم التعاقد عليها سابقاً ويتم استيرادها حالياً هي ذات منشأ روسي وإدخالها يتم حصراً عن طريق مرفأي اللاذقية وطرطوس وكلها تخضع للتحليل والفحص والمراقبة ضمن مخابر وزارة التجارة الداخلية ومخابر الجمارك ومخابر وزارة الزراعة ضمن المرفأين.
وكانت إحدى الصحف اللبنانية قد نشرت يوم أمس عن وجود شاحنات متوقفة عند معبر العبودية الحدودي بين سورية ولبنان، محملة بكميات من القمح المجبول بمادة «الأوكراتوكسين» المسرطنة، ولم يتم التأكد إن كانت هذه الشاحنات قد دخلت الأراضي السورية أم ما زالت تنتظر عند المعبر، حيث إن هذه الكميات من القمح كانت مخزنة في عنابر مطاحن «لبنان الحديثة» المقفلة بقرار قضائي لعدم استيفائها الشروط الصحية، حسبما ذكرت الصحيفة.
قرار صارم بمنع دخول الشحنات
وللوقوف على حيثيات الملف الذي قد يهدد الأمن الغذائي وسلامة المواطنين، قامت «الوطن» بالتواصل مع الجهات المختصة للوقوف على حقيقة الموضوع، حيث أوضح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأنه وعلى فرض تم إدخال هذه الكميات من القمح المسرطن تهريباً لمصلحة أحد ضعاف النفوس وأراد بيعه للمخابز فسوف يتم أخذ عينات منه قبل بدء عمليات الطحن وتحليلها في مخابر الوزارة، مشدداً على أن المطاحن الخاصة كافة تقوم بتحليل القمح الذي يدخل إليها قبل طحنه، وفي حال قيام أحد التجار «المختمين» بإدخال هذه الكمية لتوزيعها ضمن أكياس صغيرة بالكيلو ولزق ماركة مزورة عليها فإنها تخضع للرقابة والفحص.
وبيّن الغربي أنه تم التواصل مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية أديب ميالة (علماً بأن «الوطن» اتصلت بمكتب الوزير ميالة وأبلغته بالقصة بعد أن اتصلت بالوزير من دون رد) وتم التوافق على الإجراءات اللازمة للتنسيق بين الوزارتين، واتخاذ قرار صارم بمنع إدخال هذه الشحنات إلى سورية من لبنان بالطرق كافة حتى لو فرضنا أنها حاصلة على أي موافقات مسبقة بغض النظر لأي جهة كانت، كما تم تكليف جميع المخابر والدوريات لتكثيف الرقابة وملاحقة السيارات المحملة بالقمح كافة، وتوجيه المدير العام للمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب لمتابعة الملف بشكل مباشر مع الجهات المعنية كافة.
معبر العبودية خارج الخدمة
وفي اتصال لـ«الوطن» مع المدير العام للجمارك فواز أسعد بيّن أن معبر العبودية خارج عن الخدمة وأن المعابر العاملة بين سورية ولبنان هي العريضة والدبوسية وجديدة يابوس فقط، وأنه من المستحيل دخول أي بضائع عبر المعابر النظامية إلا أن تكون مستوفية لكامل الموافقات والثبوتيات الخاصة بالبيان الجمركي وبصورة كاملة وبعد إجراء كامل الفحوص المخبرية للبضائع الاستهلاكية والتأكد من صلاحيتها للاستهلاك البشري ضمن مخابر مديرية الجمارك ومخابر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وأوضح أسعد أن مديرية الجمارك كثفت حضورها في المناطق المحيطة بالمنافذ الحدودية التي خرجت عن الخدمة واعتبر فواز اتصال «الوطن» بمنزلة بلاغ نظامي عن الحادثة متعهداً بتكثيف الدوريات على امتداد الشريط الحدودي الفاصل مع لبنان لمنع دخول أي مواد مهربة إلى الداخل السوري.
وفي السياق ذاته أكد المدير العام للمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب ماجد حميدان لـ«الوطن» أنه لا استيراد للقمح عبر لبنان بشكل مطلق، وأن كميات القمح المستوردة كافة هي ذات منشأ روسي يتم إدخالها عبر مرفأي طرطوس واللاذقية، مضيفاً: إنه لا قمح مستورداً دخل إلى الأسواق من دون علم مؤسسة الحبوب أو مديرية الجمارك العامة.
شحنات الأعلاف تخضع للفحوص
وفي المنحى الآخر للملف حول إمكانية دخول هذه الشحنات من القمح المسرطن كأعلاف للمواشي، بيّن مدير رقابة النباتات في وزارة الزراعة فهر المشرف لـ«الوطن» أنه ومنذ ما يزيد على خمس سنوات لم يدخل أي شحنة قمح عبر جديدة يابوس أو معبر الدبوسية على حين تم دخول شحنة نخالة عن طريق معبر العريضة في شهر شباط من العام الحالي 2016، مع تأكيده أن أي مواد تدخل عبر الطرق النظامية يتم إجراء الفحوص اللازمة عن طريق مديرية الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة للتأكد من صلاحية استخدامها كأعلاف للحيوانات، موضحاً أن مديرية رقابة النباتات تختص بالكشف النظري على شحنات القمح والأعلاف الداخلة إلى الأراضي السورية.
واستكمالاً للموضوع بيّن مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة محمد اللحام لـ«الوطن» أنه وعلى امتداد شهري آب وأيلول من العام الحالي لم يدخل عبر المعابر النظامية مع لبنان سوى عشرين طناً من المادة العلفية (مثيونين) مستوردة عن طريق لبنان ذات منشأ فرنسي، وأكد اللحام أن المديرية وحسب القرار 43/ت لعام 2004 تقوم بتحليل عينات مسحوبة من المواد المستوردة كافة كأعلاف للتأكد من صلاحية استخدامها قبل دخولها إلى القطر، لافتاً إلى أن إجراء الفحوص على مادة «الأوكراتوكسين» من اختصاص مخابر وزارة التجارة الداخلية على حين مخابر مديرية الإنتاج الحيواني تقوم بإجراء فحوص على مادة «الأفلاكراتوكسين».
التهريب لم يتوقف
وقامت «الوطن» بالتواصل مع أحد التجار الذين يقومون باستيراد الأعلاف، حيث أوضح أن عمليات التهريب للأعلاف لم تتوقف خلال الأزمة عن طريق لبنان وخاصة مادتي الذرة وكسبة الصويا، على حين مادة النخالة ليست ذات جدوى اقتصادية ربحية للمهربين لإدخالها إلى الأسواق السورية، والقمح لا يحقق مرابح في حال تهريبه لكون رسمه الجمركي 1%، مشيراً إلى أن لبنان دولة مستوردة للقمح وليست منتجة ولذلك فإن كميات القمح كافة التي تدخل إلى لبنان تخضع لرقابة الدولة اللبنانية وبرسوم جمركية مرتفعة، ولا مصلحة لأحد بإدخالها إلى سورية تهريباً بسبب فرق الأسعار، إلا إن كانت فعلاً غير مطابقة للمواصفات ويراد التخلص منها، فهو أمر آخر لا نعلم به.
وعن هذا الموضوع أوضح الخبير الزراعي محمد حسان قطنا لـ«الوطن» إمكانية وجود مواد مستوردة إلى دول الجوار وتم رفضها من الجهات المختصة فيها، ما يستوجب مراقبة حركتها ومستجدات التعامل معها وفي حال الإفراج عنها في هذه الدول لإعادة التصدير، ما يتطلب تشديد المراقبة على الحدود والمعابر لتجنب مرورها، مشيراً إلى أن هذا الأمر كان ناجحاً قبل الأزمة، وما زال يتم العمل به خلال الأزمة، موضحاً بأنه عند ضبط كميات مخالفة ولها آثار مرضية يتم إتلافها في أرض المرفأ أو المعبر الحدودي ولا يتم السماح بإعادة تصديرها. إذاً في النتيجة لاقى الموضوع اهتماماً في أروقة الحكومة، إلا أن العبرة في النهاية بنتائج هذا الجهد، فهل ستفلح جهود الوزراء والمعنيين بضبط هذه الشحنات المسرطنة من القمح التي يمكن أن تلقى طريقاً سهلاً عبر التهريب؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة الماضية.
وكانت صحيفة الأخبار اللبنانية قد نشرت أمس مقالاً بعنوان (القمح «المسرطن» إلى سورية… بقرار قضائي!) جاء فيه: الشاحنات كانت متوقفة عند معبر العبودية. قيل، أمس، إنها انطلقت إلى داخل الأراضي السورية، ثم تردّد أنها متوقفة في انتظار «المراقب القضائي»، على أن تنطلق لاحقاً. مع ذلك، لا يهم ما قيل وما يتردّد. ما يهم، هنا، هو حمولة «شاحنات العبودية». فهذه، ستأخذ القمح المجبول بمادة «الأوكراتوكسين» المسرطنة (الذي كان مخزناً في عنابر مطاحن «لبنان الحديثة» المقفلة بقرار قضائي لعدم استيفائها الشروط الصحية) لتبيعه في سورية، بقرارٍ قضائي. فمن أمس الأول -من تاريخ نشر المقال- صدر قرار عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الناظرة في قضايا العجلة، يقضي بـ«رد طلب وقف تنفيذ البند الثالث الوارد في قرار قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد المعلوف»، والمتعلق بـ«إخراج القمح الذي يتعدى معدل الأوكراتوكسين فيه النسبة المسموحة في لبنان إلى خارج البلاد (…)». وهو الطلب الذي كانت قد تقدّمت به مجموعة من المحامين والجمعيات، من خلال «استحضار استئنافي» في 22 من الجاري، وتمكن من خلاله هؤلاء من الحصول على «وقف تنفيذ مؤقت» للبنود الثاني والثالث والخامس الواردة في قرار القاضي معلوف.
لكن، مع القرار «النهائي» الصادر عن محكمة الاستئناف المدنية، انتهت مفاعيل قرار وقف التنفيذ المؤقت، ليصار إلى تبرير «وقف تنفيذ البند الثاني المتعلق بالترخيص للمستدعى بوجهها بيع النخالة الموجودة والبند الخامس الذي يرخّص بيع الطحين الموجود في أرض المطحنة كعلف حيواني في ضوء نتائج التحاليل التي تبين نسبة شوائب حيوانية عالية تجاوز المواصفات المطلوبة وتجعله غير صالح للاستهلاك». أما بالنسبة إلى البند الثالث، فقد رفضت المحكمة طلب وقف التنفيذ. وعلى هذا الأساس، يدخل القمح «المسرطن» إلى سورية… بقرارٍ قضائي. هكذا، صدر قرار «التسفير».