حَربُ سُوريَّةَ
| د. نبيل طعمة
التي تخوضها منذ أكثر من خمس سنوات، أدخلت عليها عنوةً من خلال ذاك التجوال الرديء لما أطلق عليه الربيع العربي الذي حضر كوباء، اخترق النظام العربي القومي العلمي العلماني التقدمي مستخدماً حججاً وهويات سياسية ودينية مزيفة، أدت إلى تفجير الصراعات من داخل المجتمعات التي أرادتها في الجوهر حروباً أهلية مغلقة على ذاتها، تخترقها القوى العالمية والمحيطة، بهدف تصدير أزماتها والبحث عن حلول لها، إضافة إلى تصوير هذه الحروب على أنها نتاج أزمات داخلية، تراكمت وشكلت من خلالها أسئلة تبحث عن إجابات، بينما تتسارع وتائر الأحداث على الساحات، وبشكل خاص ضمن الساحة السورية التي تعتبر القفل والمفتاح لكامل الحلول بين ساحات ليبيا واليمن وأوكرايينا والعراق، المشهد العالمي يرينا أن هناك بحثاً عن حلول ديبلوماسية، ترمي إلى تعبيد سبل الهدوء، وصولاً إلى إنجاز عملية السلام.
الوقائع على الأرض تشير إلى غير ذلك، المعارك محتدمة على كامل الجغرافيا السورية، وفي الساحات الأخرى، وهي على شكل حروب صغيرة وكبيرة، في الجنوب والشمال والشرق والغرب، الكل يشارك فيها؛ الخليج عبر بوابة الأردن، وتركيا من بوابة الكرد، واللاجئون الذين تدربهم وتغذيهم وتدعمهم مع المنظومة الخليجية والدواعش من الشرق، مع القاعدة جبهة النصرة، بدعم أوروأميركي، والكيان الصهيوني يدعم من الغرب عبر بوابة الجولان المحتل، والخارجون على القانون في الداخل السوري، الكل يدعمهم، سبّحة الإخفاقات الكثيرة تُكرُّ وتتكرر من الجميع الذي يشن حربه على سورية، وسورية تحارب الكل، وصحيح أنها تقع جميعها بين كرٍّ وفرٍّ، إلا أن إنجازات سورية عمقت إخفاقات الكل، ما أدى إلى شرذمتهم ووقوعهم بين الاتفاق والاختلاف، وكل هذا بفضل الوطنية العالية التي تمتع بها رجل الدولة الأول، الذي أثاروا حوله لغطاً كبيراً وضغوطاً هائلة مورست عليه، لم يرضخ، ثبت.. وثبت معه الوطنيون المؤمنون بتراب سورية ووحدتها وعنفوانها وكبرياء شموخها.
صحيح أنَّ حرب سورية مع كل أولئك الذين يحاربونها ثمنه غالٍ، وحسم المعارك مكلف جداً، مالياً وبشرياً، وصحيح أيضاً أن العالم انقسم بين من هو مع الحرب على سورية ومن ضدها، وصحيح ما أدى إلى تحاربهم عليها خفية وعلانية، ونقرُّ أيضاً أن هناك فضلاً كبيراً لوقوف الروسي والإيراني بقوة إلى جانب سورية عسكرياً واقتصادياً، إضافة إلى قوى المقاومة العربية في لبنان والعراق وشرفاء العالم، إلا أنَّ الأساس هو ثبات سورية كدولة وطنية أدى مع الدعم الذي ذكرناه إلى أمور عدة:
أولاً: تقوية الداعمين بشكل لافت. وثانياً: سقوط هيبة الأوروأميركي وقواه الديمقراطية التي يتغنى بها، ويقدمها للعالم قاطبةً على أنها الأنموذج الوحيد للحياة المثالية، وهاهم اليوم نراهم يجهدون لانتشالها من الحضيض. وثالثاً وهو الأهم، إن سورية ورجلها الأول لم يرضخا للمغريات ولا للضغوط، ولم يهابا الصعاب، ومنه قررت سورية عدم التفريط بأصدقائها الحقيقيين وأشقائها الخلص، كذلك نجد أنهم بلغوا حداً أثبتوا معها من خلاله أنهم على استعداد للتفريط بشركائهم الذين وقفوا في خانة أعداء سورية مقابل بقائها قويةً ومنيعة، وهذا ما يفسر تبادل الجمائل بين الأصدقاء الإخوة، وانتشار الفضائح بين المصرّين على إنجاز الحروب على سورية، من دون أي وازع أخلاقي أو قيمي في المنطق السياسي ولا حتى في التعامل العسكري، وهذا ما يشير مباشرة إلى أنها حروب إرهاب تدعم الإرهاب، وتصنع إرهابيين، والغاية واضحة بأن الإرهاب يخدم مصالحهم، وهذا ما دعت لتعريفه سورية مبكراً، وبنت فلسفة وجودها على كيفية التعامل معه منذ التأسيس الحديث لوجودها في السبعينيات من القرن الماضي، تجديد التحديث والتطوير مع دخولنا الألفية الثالثة كل هذا وعيون الخبث وللأسف العربي قبل الأوروأميركي تتربص محاولة الانقضاض، وهذا ما تخيلوه، فماذا جرى ويجري حتى اللحظة؟
في سورية ثوابت لا تقبل النقاش، وللأسف إن ما نراه من أعذار غبية يطرحها أصحاب الحرب على سورية، بلغت حدوداً مقرفة، وقد وعى العالم حجم تلك الادعاءات والأكاذيب التي جرى ضخها عبر أعتى وسائل الإعلام من أجل تفعيل وشن الحروب على هذا البلد الآمن الذي يؤمن بإصرار أن سورية باقية مع أهلها وجندها وساستها ورجلها الأول واقتصادييها، وأنها قادرة دائماً على النهوض من تحت الضغائن والمؤامرات والحروب، ومهما طالت أو استطالت عليها، فأبناء سورية الوطنيون قادرون على إنقاذ سورية بحكمتهم وشجاعتهم وثباتهم من تلك الحروب التي تشن على مبادئها وقيمها وسماحتها وتعددها ولغتها الصادقة، لذلك نجد أن مواجهة أممية القتل والتهجير والتجهيل هي أهم أهداف التآمر على سورية، والردود التي تقدمها سورية الدولة الوطنية عسكرية وسياسية في آن، قدمت أنموذجاً فريداً، بدأ العالم أجمع يتطلع إليه من حيث ما تمتلكه من مخازين دفاعية وهجومية أخلاقية واجتماعية وسياسية منتجة واقتصادية بنَّاءة، شكلت ملحمة نوعية، ملأت فراغات اللاوعي بالوعي التاريخي الإيجابي، وتعايشت مع قسوة الحاضر وتشوهاته، وها هي تستعد للانتقال إلى المستقبل الذي يشكل لها الهدف الأول والأخير، والذي تتحضر له بفكر نهضوي تنويري ضد تلك الماضوية المظلمة التي تجسد حقيقة حرب سورية معها؛ أي بين دولة وطنية تعرضت للاعتداء المباشر وغير المباشر من قوى خارجية، خططت ونفذت وأمعنت في قتل وتدمير شعب ووطن.
حربُ سورية قائمة من قيمة وقوة مصالحها، وتجعلها تختار مواقيتها، وتدير علاقاتها الخارجية ونظامها الداخلي انطلاقاً من رأي شعبها المؤمن بها، والذي استطاع هضم واستيعاب مفرزات ثورة المعلومات بسلاسة فائقة، وكشف زيف ما تمَّ تصويره على أنه حقائق، وحول كل ذلك بفضل وعيه المنتج من الأزمة العاصفة التي ركبت عليه، إلى مفردات يسهل اصطيادها، وبالمناسبة إن الحقيقة والكذب يحملان سمة التجانس، ومن الممكن أن يتحدا ويتقدما المشهد، إلا أن الحكمة مع الصبر الإستراتيجي يؤديان إلى فصلهما، وهذا ما نجحت به سورية في حربها على الحروب التي تشن عليها، وبرهنت أنها قادرة حتى اللحظة على كشف الزيف والكذب رغم إصرار الآخرين على التمسك بهما، لأنها الواقع والحقيقة والإنصاف، فالكل يقف إلى جانب سورية الوطنية، والكل يسيرون معها لتحقيق الانتصار في حربها على الجميع، وعلى كل الجبهات.