حنا مينة كاتب الكفاح والفرح الإنساني .. حضور خاص للمرأة في أدبه ورغبة منه في منحها المكانة الأفضل في الواقع والرواية
| عامر فؤاد عامر
يُعدّ الإنتاج الأدبي الروائي الذي قدّمه الأديب السوري الكبير حنا مينة؛ حالة مهمّة ومؤثرة في حياة الشارع السوري، المتمثل بشرائحه كافة، فولادة أديب غزير العطاء، يمنح في أدبه انعكاسات مهمّة، تمثل هموم المجتمع على تعدد شرائحه، يعدّ حالة غنيّة، علينا دراستها والاهتمام بها دوماً. فلهذا النتاج الثقافي الذي قدّمه «مينه» انعكاسه على الأفلام السينمائيّة، وعلى الدراما التلفزيونيّة، وعلى الحالة الأدبيّة العربيّة بوجهٍ عام، وفتحِ الباب للأدب السوري نحو العالميّة، وغيرها من التفاصيل التي يمكن الإضاءة عليها والتعمق في دقتها. وقد حاولت مديريّة ثقافة دمشق، وضمن ملتقيات دمشق الثقافيّة، أن تسلط الضوء على هذه المسائل، فيما يسمى ملتقى السرديات – حنا مينة – كاتب الكفاح والفرح الإنساني، وذلك برعاية وزارة الثقافة، حيث أقيم الملتقى في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة في دمشق، وكان الملتقى بإشراف د. عاطف البطرس، وبإدارة الإعلامي جمال الجيش، ومع الضيوف المشاركين: أ. علي العقباني، وأ. حسن م يوسف، ود. وجدان محمداه. حيث تناول كلّ من هؤلاء جانباً خاصاً من جوانب العطاء التي ارتبطت باسم الروائي الكبير حنا مينة.
خمسة أفلام ومسلسلان
تمّ عرض فيلم وثائقي في بداية الملتقى، من إعداد علي العقباني، فألقى الضوء فيه على علاقة الرواية التي أنتجها أديبنا، وتحويلها لنصٍ سينمائي، لتكون فيلماً روائيّاً. وعبر تاريخ السينما السوريّة كان لدينا 20 عملاً منها اعتمد على الرواية والأعمال الأدبيّة، ومنها 5 أعمال جاءت من نصيب الأديب مينة، وهي: أكياس الرمل في فيلم اليازرلي للمخرج قيس الزبيدي، وآه يا بحر في فيلم بالاسم نفسه للمخرج محمد شاهين، والشراع والعاصفة في فيلم حمل نفس الاسم للمخرج غسان شميط، وبقايا صور في فيلم بنفس الاسم للمخرج نبيل المالح، ويقول العقباني في تصريحه: «حاولت في هذا الفيلم اختصار كلّ ما يمكن من إبداعات قدّمها الأديب حنا مينة في أدبه من خلال أعمال في السينما السوريّة، والدراما التلفزيونيّة، وشهادات أدلى بها بعض المثقفين ممن عرفوه وتناولوا أعماله، فهو كاتب استطاع عبر تاريخه الروائي رصد الواقع من عام 1954 في رواية المصابيح الزرق من تاريخ نضالي وسياسي واجتماعي، وكلّ ما مرّ على سورية وإلى الفترة الأخيرة، ولذلك نرى نبض الحياة الاجتماعيّة في أعماله السينمائيّة، وكلّ أشكال المقاومة والقهر وغيرها، فهذا الروائي هو روائي الناس البسطاء، وروائي البحر، وروائي الأوقات الصعبة، وهو شيخ الروائيين السوريين، وفي سنة 1974 بدأت أول تجربة في تحويل قصة أكياس الرمل لفيلم سينمائي بعنوان اليازرلي من إخراج قيس الزبيدي، والتي حولها الأديب مينة إلى رواية فيما بعد، وبعد هذه التجربة السيمائيّة جاءت الأعمال الأربعة تباعاً.».
المرأة في إبداع حنا مينة
ألقت الدكتورة وجدان محمداه بدورها الضوء على جانب مهم في أدب حنا مينة، وقد كانت لها رسالة ماجستير في أدبه، وهو المرأة، وكيف تناولها في رواياته منذ البدايات، والصورة التي قدّمها من خلالها ورصدها، والتي يمكن أخذ صبغة عامة فيها، وهي أنه قدّمها بصورةٍ واقعيّة، وبطريقة تحمل نوعاً من التشجيع، لتكون المثال الأفضل في حياة الرجل، إن كانت زوجاً أو أختاً أو ابنة أو حبيبة، كما تناولت المرأة في قسمين العربيّة والأوروبيّة، وفي تصريحها تقول: «قال الأديب لي في لقائي الأول معه منذ أكثر من 15 عاماً: المرأة هي قضية أدبي كما البحر، إنها قوّة جبّارة وكلّ التجلّي لأنبل الصفات بها، وكلّ الاحترام لها، والمرأة كانت جريئة بدءاً وخاتمة، أبداً وأزلاً، إنها أحد العناصر الأربعة الخالدة، التي يتألف منها كوننا الثاني. وتابع مسترسلاً: المرأة صانعة تقدّمنا الاجتماعي، إنها جديرة بلعب هذا الدور المستقبلي، فقد كانت منذ بدء الخليقة، فقالت لآدم قمّ وانهض واعمر هذا الكون… يريد حنا مينة أن يقدّم لنا صورة المرأة عبر واقعها المعيش، وصورة أخرى عبر كيفيّة عيشها لهذا الواقع، وفق ما يريده الكاتب لها».
الريادة عربيّاً
قدّم الدكتور عاطف البطرس في دراسة شاملة، نظرة عامّة حول رياديّة حنا مينة في الرواية العربيّة، وتحدّث في الأسلوب الروائي الذي تميّز به الأديب الكبير، وفي كيفيّة تناوله للشخصيّات وكيفيّة تعامله معها، وكيف يمكنه الارتقاء بها من شخصيّات على الورق إلى شخصيّات حيّة، قادرة أن تعيش، وتؤثر في وجدان القارئ العربي، كما أشار إلى ميّزة مهمة في أدب حنا مينة، وهو أنه الأدب الذي يجمع الناس حوله مهما كانوا أغنياء أو فقراء، وباختلاف جنسهم، وبكل شرائح المجتمع، وهو الأديب الذي وحّد الجبل والبحر والسهل في أدبه معاً، وفيما يقول أيضاً: «تمتلك الشخصيّة التي يكتبها حنا مينة استقلاليّتها الخاصّة، وهي التي تختار تطوّرها وفق شبكة العلاقات في الرواية، وليس حسب رغبة الكاتب. وأبرز مثال على ذلك في شخصيّة الطروسي. فهي ليست شخصيّات مهندسة إنما شخصيّات مُصاغة من لحمٍ ودم… ».
مع الدراما
روى الصحفي والكاتب حسن م يوسف تجربته مع الدّراما والبداية التي كانت مع سيناريو فيلم تلفزيوني ثم الانتقال إلى مسلسل نهاية رجل شجاع، وهو من صاغ السيناريو وقدّمه مسلسلاً تلفزيونيّاً لكنه كُتب له كما لو أنه عمل سينمائيّ. هذا المسلسل الدرامي السوري الذي ذاع صيته ونقل الدراما العربيّة من حالٍ إلى حال. يقدم يوسف مجموعة من الحقائق والتفصيلات التي جمعته بين نص مينة والسيناريو المُقدّم، ويشير إلى أن هناك عدداً كبيراً من الإضافات بين شخصيّات وأحداث لم تكن مكتوبة في الرواية أصلاً، إلا أنه شكّلها بما يليق مع بيئة الرواية، حيث إنها ظهرت كما لو أنها من النسيج الأصلي لها، وقدّم مجموعة من الأمثلة على ذلك، وفي كلمته عن حنا مينة والدراما: «… مما قاله الأستاذ حنا مينة في ريبورتاج صورته إحدى الأقنية العربيّة عن هذا العمل «نهاية رجل شجاع»: «أُخرجت لي روايات تمّ تحويلها إلى السينما؛ فلم يكن من رضا، أمّا مع نهاية رجل شجاع فقد كان الرضا». أعتقد أن هذه الكلمات كانت لي شيئاً كبيراً جداً، وأنا ممتن للأستاذ حنا لأنه تفهّم خصوصيّة اللغة البصريّة… فالتعبير بالصور يحتاج إلى التركيز على التفاصيل لتحفيز المخيلة… ».
ملتقيات الثقافة
جاء بعد ذلك عدّة مشاركات من الحضور كان من بينها شهادة قدّمتها ابنة الكاتب الكبير حنا مينة في علاقته مع أبنائه وزوجه وحياته ككاتب ومبدع وخصوصيّته في الحياة.
يذكر أن هذا النشاط يندرج ضمن ملتقيات تنسق لها مديريّة ثقافة دمشق في ملتقيات دمشق الثقافية التي تقام في بداية كلّ شهر لتقدّم أبرز النشاطات الثقافية بين موسيقا وفنّ تشكيلي وفكر ورواية وقصّة وشعر مع مجموعة من المعارض الفنيّة والتشكيليّة واستضافة العديد من الشخصيات الثقافية والإعلاميّة والفنيّة.