قواعد من نوع آخر
| د. اسكندر لوقا
في عام 1943، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، سئل وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية كوردل هول عن موقف بلاده من الحرب فكان رأيه أنه يترتب عليها أن تشارك إلى جانب حليفاتها في مواجهة ما وصفه بنشوء حركات تحرر بين شعوب شرق البحر الأبيض المتوسط ولذلك تتطلع واشنطن إلى بناء قواعد نفسية لأميركا بين تلك الشعوب.
ويفهم من هذا الرد أن هذه القواعد ستكون بديلاً للمواقع التي خسرتها كل من فرنسا وبريطانيا نتيجة سياسة الانتداب في كل من سورية ولبنان والعراق وفلسطين وبذلك ترسخ واشنطن نفوذها في عموم المنطقة، وعندما ندرك ماذا تعنيه مثل هذه الخطوة نستطيع قراءة ما سيلي تنفيذها على أرض الواقع، وخصوصاً في بلاد لم تعد بعد قد نالت استقلالها وحظيت بفرصة التعامل مع واقعها بعد التحرير.
وبطبيعة الحال، كان مفهوماً من مثل هذه الخطوة- بناء قواعد نفسية- في منطقتنا، أن الولايات المتحدة كانت قد قررت الحصول على كل شيء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حرصاً على مصالحها في المنطقة عموماً. وهذا ما أكده السياسي العريق المعروف نعوم تشومسكي بقوله ذات مرة إن مستشار الرئيس روزفلت، قبل سنوات طويلة، وضع مبدأ أن السيطرة على الطاقة في الشرق الأوسط سوف يوفر سيطرة أكثر لبلاده على العالم.
في سبيل الوصول إلى هذه الإمكانية، كان لابد للولايات المتحدة الأميركية أن توفر الظروف المناسبة لإقناع شعوب المنطقة بأن قواعد اللعبة الدولية تقتضي البدء بتأسيس قواعد نفسية بذريعة محو آثار العدوان عليها وتمهد سبيل القبول بتبعاتها مستقبلاً، وهذا ما حدث بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث تخطت اليد الأميركية باقي الأيدي التي شارك أصحابها في الحرب، من موقع اعتبارها القوة الأعظم في العالم، في ذلك الحين.
وأيضاً في وقتنا الراهن، تسخر الولايات المتحدة الأميركية ما أمكنها من وسائل لإقناع شعوب المنطقة أنها بدعمها للحركات الأصولية الإرهابية إنما تسعى لتلبية حاجة هذه الشعوب إلى الديمقراطية التي هي في الواقع، لا محل لها من الإعراب في الولايات المتحدة كما وصفت في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من سياسي وتحديداً في السياق المتصل بالأزمة التي نعيشها في سورية وتهدد جوارها وصولاً حتى بلدان داعمي فكرة إقامة القواعد النفسية في الشرق الأوسط على أرضية الفوضى الخلاقة.
يقول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف (1923- 2003): إن الإنسان يحتاج إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عاماً ليتعلم الصمت.
هذه القاعدة لن تكون يوماً مدرجة على أولويات الولايات المتحدة الأميركية التي تعرف، ولكنها تتجاهل ماذا سيكون رد فعل من لا يصدق أقوالها بعيداً عن نواياها الخبيثة. هي تحتاج إلى سنوات لا عد لها كي تتعلم متى تتكلم ومتى تصمت.