النيات الحسنة… ولكن
| د. اسكندر لوقا
تراني أتخطى المنطق إذا قلت: إن الكثير مما يتعرض له البعض منا لمواجهة مواقف حرجة سببه، بالدرجة الأولى، عدم القدرة على معرفة تبعات الكلام قبل التأكد من كونه كلاماً مسيئاً أم لا، وإن يكن بشكل غير مباشر؟
إذا سأل أحدنا نفسه عن السبب المباشر الذي يدفعنا إلى مواجهة مثل هذا الموقف لوجد أن آفة الادعاء بمعرفة كل شيء، بما في ذلك معرفة الغيب، تكمن وراء الإساءة إلى الغير في بعض الأحيان بكلام لا يعدو مجرد كلام.
مقارنة مع ما نراه في بلاد الغرب، في هذا السياق، ربما كان مفيداً التذكير بأن الإنسان في الغرب يجيب عادة عن سؤال مبتدئاً بقوله أعرف أو لا أعرف، أستطيع أو لا أستطيع، أريد أو لا أريد، وذلك اختصاراً لزمن الكلام من جهة وفائدته من جهة أخرى، بينما يميل الشرقيون إلى اعتماد مقدمة في الرد على سؤال أو الإجابة عنه قائلين: أعتقد أن، أو ربما، وسوى ذلك من عبارات تحتمل المعرفة بالفعل أم لا. وبسبب من الإطالة قد تضيع فرصة التأكيد، وقد يجرنا ذلك إلى ارتكاب خطأ عن غير قصد، ويصعب إصلاحه بعد فوات الأوان.
في بلاد الغرب، في أوروبا، كما في بعض الدول الأخرى القادرة على اختزال الزمن، يأتيك الجواب ونقطة على السطر، بينما عندنا نقوم باللف والدوران حتى نتمكن من الرد على السؤال أو الإجابة عنه. ومرد ذلك في سياق قراءتنا لنفسية الإنسان الشرقي عدم قدرته على التعامل المتقن مع الزمن، وثمة أمثلة على ذلك حين نستمع إلى تحليل الحدث أي حدث سياسي أو اقتصادي أو ثقافي- على سبيل المثال- إذ يبدأ عادة بعبارة «أعتقد»، أو «في رأيي»، وقد لا يكون السؤال يحتمل أكثر من عبارة «أؤكد» أن المسألة كذا وكذا، كما هو الحال في سياق قراءة أرض المعركة في زمن الحرب حيث لا مجال لتخطي نقط التواجد أو المواجهة على الأرض بحكم قراءة مجرياتها.
في كل الأحوال، طبيعة الإنسان العربي، هي أن يطيل دربه وصولاً إلى غايته خلال تبادل الرأي مع الآخر، وغالباً خارج الاهتمام بالزمن وجدواه، ونلحظ ذلك، أحياناً، في سياق إطالة زمن مقدمة الحديث حول هذه المسألة أو تلك. وربما كان السبب في ذلك الحرص على جعل الآخر في حالة انتظار قبل البدء في معالجة الموضوع المطروح على طاولة النقاش أو الدراسة. وقد يكون ذلك بحسن النيات ولكن متى كانت النيات الحسنة- كما يقال- توصل أصحابها إلى الجنة؟